الأربعاء، 10 يوليو 2013

مهاتير محمد مرة أخرى

 
نحن شعب عاطفي، محافظ، قليل التعليم، يعتبر من الشعوب التي تتوافر فيها درجة عالية من التنافر المعرفي. وأحب أن أسلط الضوء على التنافر المعرفي لأهميته في حياتنا ولدوره المحوري في التقدم.

التنافر المعرفي هو الحالة التي تجعلنا لا نتقبل فكر لأنه يختلف عن فكرنا الذي تعودنا عليه، أو يجعلنا ندافع عن فكر لأننا مرتبطون به عاطفيًا كأن نكون قد كبرنا عليه فلا نستطيع أن نرى مساوئه ولا نستطيع أن نغيره بسهولة. عندما نكون في حالة تنافر معرفي نحن نكون في قبضة عاطفة تلقي غمامة على رؤيتنا فلا نستطيع أن نكون موضوعيين في حكمنا على الأمور، وقد تجعلنا نغلب ما هو غير قانوني على ما هو قانوني، أو تجعل عدونا يعرف نقاط ضعفنا.

نحن في قبضة التنافر المعرفي عندما ندافع عن صديقنا أو فرد من قبيلتنا، فقط لأنه صديقنا أو من قبيلتنا، وليس لأنه يستحق دفاعنا. نحن في قبضة التنافر المعرفي عندما لا نستطيع أن نكون موضوعيين فنغالط أنفسنا ونصدق مغالطتنا إياها. نحن في قبضة التنافر المعرفي عندما لا نقتنع لأننا لا نعرف كيف نتخلص من ارتباطنا العاطفي الوطيد بأفكارنا الأولى التي تجعل لا مكان لأفكار جديدة مختلفة. لذا نفهم أن التنافر المعرفي غير متناسق مع التقدم وأن الشعوب التي تقع في قبضته لا تتقدم.

وقد قدمت في مدونة سابقة موضوع التنافر المعرفي، وكيف أننا قد تغيرنا في السنوات الماضية، وإذا تمعنا في نتيجة ملاحظات تجريبية عما حدث لنا في هذه السنوات الماضيه نرى أننا قد اصبحنا أكثر عقائدية من ذي قبل، وأصبح فكرنا مطلقًا أكثر من ذي قبل، واصبحت تقابلنا مشاكل طائفية أكثر من ذي قبل، وهذه كلها سمات تدل على درجة عالية من التنافر المعرفي.

لماذا أكتب عن التنافر المعرفي في الوقت الذي أكتب فيه عن مهاتير محمد؟

لأن حضور مهاتير محمد إلى مصر يسلط الضوء على التنافر المعرفي عندنا، فمهاتير محمد الذي ساعد على التقدم المبهر في ماليزيا قد تبنى هو وحزبه حزب الأومنو أفكارًا تختلف كل الاختلاف عن الأفكار التي نتبناها في الوقت الحالي، ومع ذلك، تدعيه هيئاتنا ليتكلم عن تجربته وتجربة حزبه، وتقدمه لنا كمثل لنحتذي به متناسون أعماله أو ما يقول.

في زيارته منذ سنة إلى مصر أكد مهاتير محمد أن المجتمع الذي فيه نسبة ما من غير المسلمين لا يجب أن يتكلم عن تطبيق الشريعة حتى يحافظ على تماسكه، ومع ذلك، نفس هذه الهيئات التي دعته وتظهر لنا أنها معجبة بأفكاره، في الحقيقة لا تطبق هذه الأفكار، فكانت النتيجة أن اصبحت مصر أكثر انقسامًا وأقل تماسكًا عما كانت عليه من قبل.

ونتناسى تجربة حزب مهاتير محمد، حزب الأومنو، وهي التجربة التي قدمت تفاصيلها في مدونة "مهاتير محمد"، وشرحت فيها كيف تصرف الحزب عندما خان الصينيون الماليزيون مبادئ شراكتهم مع الحزب وانتخبوا ممثلي الحزب الاسلامي المنافس، وكانوا يريدون بهذا التصرف أن يعطوا درسًا مريرًا لحزب الأومنو ليكف عن مساعدة الماليزيين المسلمين سكان ماليزيا الأصليين. كان يستطيع حزب الأومنو الحاكم أن يرد لهم اللطمة لطمتين وأن يهمشهم لأن الماليزيين المسلمين كانوا الأغلبية السكانية، وكانوا أعضاء الجيش والشرطة وموظفي الحكومة، ولكن حكومة الحزب لم تعمل ذلك، بل زادت من تصرفها الحسن تجاه الصينيين الماليزيين، فأعطتهم ما كانوا يتمنونه وهو الجنسية الماليزية لأقاربهم، فكان هذا التصرف بمثابة "ضربة معلم" نتج عنها أن جذب الحزب إلى صفه الصينين الماليزيين وأبعدهم عن أقاربهم الصينيين الشيوعيين الذين كانوا يحاربون الحكومة الماليزية في الشمال، واستطاع أن يقوي من تماسك بلاده.

هذه هي التجربة الماليزية التي يجب أن نعيها ليتماسك بلدنا ويتقدم، فمن المؤكد أن شرط أساسي لتقدم أي بلد أن يكون متماسكًا داخليًا، وألا يهدر طاقته في النزاعات الداخلية. ولكن ما نراه الآن هو زيادة في النزاعات الداخلية، وعدم تماسك البلد، فهل من يقدمون لنا مهاتير محمد لا يعرفون ذلك؟ أم أنهم يعرفونه ولكنهم كما يقول البعض "يستغفلوننا"؟

اعتقد أنهم يعرفون هذه الأفكار، وما يشابهها، ولا اعتقد أنهم "يستغفلوننا"، ولكنني اعتقد أنهم في قبضة تنافر معرفي، مشتتين بين فكرهم الذي شبوا وتربوا عليه، بما فيه من أحلام عاشوا عليها سنين طويلة وبين واقع لا يريدون أن يتقبلوه لأنه يظهر لهم أن أحلامهم لن تتحقق لأن الزمن لن يرجع إلى الوراء، ولأن كل تجربة في هذا الصدد، من الصومال إلى السودان، باءت بالفشل. ولكنهم ككل كيان أيديولوجي تسيره وتتحكم فيه العاطفة لا يستطيع أن يتأقلم مع فكر جديد، فيدعون مهاتير محمد ويتمنوا أنه بقدرة قادر سيكون مثالاً للنجاح في مصر كما كان في ماليزيا.

وهنا قالت شهرزاد: "ربنا يستر"، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون