الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

إدوارد بانفيلد والانغلاق العائلي


في منتصف القرن الماضي كتب إدوارد بانفيلد عالم الاجتماع الشهير كتابًا هز به عالم علم الاجتماع اسمه by Edward Banfield"The Moral Basis of a Backward Society" وترجمة الاسم "الأساس الأخلاقي لمجتمع متأخر". في هذا الكتاب وصف بانفيلد مجتمع قرية فقيرة في إيطاليا عاش فيها لمدة عام مع زوجته التي كانت تتقن اللغة الإيطالية، ودرس المجتمع علميًا، فكان يُحضر الاستبيانات فتأخذها زوجته وتطبقها مع أهل القرية، وتأتيه بالنتيجة فيحللها، وكان هدفه دراسة سبب فقر هذا المجتمع. وبما أنني مهتمة بالأسباب الثقافية التي تساعد على تقدم الشعوب فبالطبع سأهتم بالأسباب الثقافية التي تساعد على فقر المجتمعات، وفعلاً أصبحت مهتمة بهذا البحث.

وجد بانفيلد أن الفقر في القرية مدقع، ومعظم سكانها لا يأكلون اللحم إلا مرة واحدة في الشهر، ومع ذلك، فمعظم

رجال القرية لا يعملون، ويمضون وقتهم على المقهى، يشربون الشاي ويلعبون الطاولة، وعندما يخبرهم أحد أن الكنيسة تحتاج إلى بعض الطلاء، يجيبونه: "ليس عندنا وقت".

وجد بانفيلد أن السيدات اللاتي يتطوعن لرعاية اليتامى في ملجأ القرية كن من قرى أخرى غير هذه القرية، فسكان القرية لا يتطوعون للعمل العام.

وجد بانفيلد أن الرجال الذين يسافرون للعمل في أمريكا لا يساعدون رجال القرية الآخرين أن يجدوا عملاً في أمريكا، بعكس سكان القرى المجاورة التي كانت أقل فقرًا، ووجد أن العائلات في القرية تخشى العين والحسد من الجيران، ولا تساعد بعضها البعض.

كذلك، وجد بانفيلد أن سكان القرية، مقارنة بسكان القرى المجاورة، كانوا أكثر تعاسة.

فهل كان سكان القرية أنانيين لا يهتم كل منهم إلا بنفسه؟

كلا، ففي كل عائلة كان كل فرد يهتم كل الاهتمام بأفراد عائلته الآخرين. كان الأهل يدللون أولادهم، ولا ينهرونهم إذا أساءوا التصرف، بل يضحكون لتصرفاتهم السيئة. اهتمام كل عائلة بأفرادها، وعدم اهتمامها بمن هم خارج العائلة، وعدم الثبات على نظام تربية أخلاقي لأولادها أنتج ما سماه بانفيلد amoral familism أو الانغلاق العائلي.

وهذا الانغلاق العائلي الذي لا يستند إلى ثوابت أخلاقية هو ما تسبب في فقر هذا المجتمع.

لأن في هذا المجتمع الفرد لا يساعد من هو خارج عائلته ولا يتمنى له الخير، وكل عائلة تكيل بمكيالين؛ واحد لأفرادها وواحد للآخرين، نتج عن ذلك أن قوى هذا المجتمع أصبحت مفككة وصار المجتمع فقيرًا.

إذا رجعنا لما قدمناه في مدونة سابقة ظهرت تحت عنوان: "لماذا تتقدم بعض البلاد ولا تتقدم بلاد أخرى مماثلة؟ العوامل الاجتماعية (3)" نرى أن لورنس هاريسون Lawrence Harrisson وعالم العلوم السياسية الشهير روبرت باتنم Robert Putnam أكدا أن المجتمعات التي تتقدم هي المجتمعات التي بها تجمعات أهلية أو خيرية يعمل فيها الأفراد معًا لمصلحتهم الجماعية، ما أسماه روبرت باتنم "رأس المال الاجتماعي". وهذا تأكيد لما لاحظه بانفيلد من قبلهما في مجتمع القرية الإيطالية حيث رأينا كيف كان سكان القرية لا يتطوعون في الملجأ، ولا يتعاونون لطلاء الكنيسة.

كذلك، إذا رجعنا إلى مدونة أخرى ظهرت تحت عنوان: "لماذا تتقدم بعض البلاد ولا تتقدم بلاد أخرى مماثلة؟ العوامل الاجتماعية (1)" نرى أنه حسب لورنس هاريسون وماريانو جراندونا فإن من العوامل التي تساعد على تقدم المجتمعات هو سيادة القانون سيادة تامة فيها، وكبر قطر التعارف والثقة بين أعضاء المجتمع، ففي المجتمعات المناهضة للتنمية تجد الناس يثقون فقط في أقربائهم، وأصدقائهم، ومن يعرفونهم، أي من "هم مثلهم" ويتواصلون فقط مع من "هم مثلهم" أو يضعون أنفسهم فقط في مكان من "هم مثلهم"، أما في المجتمعات القابلة للتنمية فتجد أن التعارف والثقة لا يقتصران على العائلة والأصدقاء أو "على المثل" بل يشملان مجتمعًا قطره واسع، يثق فيه الناس في بعضهم البعض، ويستطيع الفرد أن يتعامل مع من لا يعرفه لأنه واثق أن هناك قانونًا يُحترم، سيسانده وقت الحاجة.

هل عندنا في مصر حالة من حالات الانغلاق العائلي؟ هل نحن منغلقون على عائلاتنا ولا نتعارف ولا نثق إلا فيمن هم مثلنا؟ هل نتطوع لعمل الخير في مجتمعنا أم نكتفي بالزكاة؟ هل نتمتع برأس المال الاجتماعي؟ هل تعلمنا أن نكون صرحاء مع أنفسنا ولا نخاف من مواجهة الحقيقة؟

وهنا قالت شهرزاد "فلنتفكر"، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري.

هناك تعليقان (2):

  1. الانغلاق العائلي او القبلي هو سبب تخلف المجتمعات . والصراحة هذا الكتاب كأنه فصل تفصيلا علي واقع المجتمعات الاسلامية . اليست هذه هي حقيقة وسبب تخلف هذه المجتمعات ؟

    ردحذف
  2. مجرد محاولتك في الفقرة الاخيرة من ما كتبتي ان تتخيلي أن المجتمع الاسلامي مغلق علي الاسرة فقط اود ان اقرر لحضرتك انك مخطئه لانك تحاولين أن تقرني ما كتب الباحث علي جماعة منغلقة علي نفسها بسبب العقيدة . و ان العمل الانساني لا يصح الا لمن هم مسلمين فقط. فهنا ينطبق المثال من الاسرة الصغيرة الي الاسرة الكبيرة . و الدليل ان الدول المتحضرة تأتي لمساعدة الشعوب التي يصيبها مكروها بغض النظر عن ديانتها . يا ريت نعالج مشاكل المجتمع الاسلامي المتخلف بسبب العقيدة المنغلقة .

    ردحذف

المتابعون