الأحد، 23 يونيو 2013

الطباعة الحديثة، والمستقبل


ساقدم لكم اليوم قصتين عجيبتين.

القصة الأولى: وقفت مبهورة في منزل أو قد نقول سراي في الخليج لكمية الرخام التي كانت تتواجد به. أربعة مائة متر مربع من رخام يضوي بجمال ضي الرخام، في المدخل، في الصالون، في ست حجرات للنوم، في ثماني حمامات، في المطبخ، في درجات السلم، في كل مكان.

ياإلهي هل هذا كله رخام طبيعي؟

تمعنت النظر في الرخام. نعم هو رخام طبيعي. أنا اعرف الفرق بين الرخام وتقليده المصنوع من السيراميك أو البورسلين. فهذه هي تعاريج ألوانه المختلفة، وخطوط الألوان الدقيقة به، وملمسه وضيه. ألاحظ بدقة ما أرى، وما أرى هو فعلا رخام طبيعي.

ولكن في المطبخ وجدت قطعة صغيرة مخدوشة في الرخام تظهر تحتها اسمنت رمادي! ما هذا؟ هل ما أرى هو طبقة رقيقة من الرخام ملصقة فوق لوح من الاسمنت؟ وكيف لصقت؟

دققت النظر في درجات السلم الرخام فوجدت أن تعاريج الألوان والخطوط الدقيقة تلف مع نهاية الدرجة! كيف هذا إذا كانت الدرجة مخروطة من الرخام؟ إذا هي ليست مخروطة ولكن كما ظهر لي في المطبخ فهذا الدرج مكون من لوح من الاسمنت مغطى بطبقة من الرخام. ولكن، كيف استطاع من صنع هذا اللوح أن يجعل طبقة الرخام الدقيقة تلف مع دوران نهاية الدرجة؟ نحن نعرف أن الرخام ليس بطيع ولا يستطيع أن يتجاوب مع دوران الدرج.

لا تنسوا أنني عالمة. عندي فضول العالمة فأسأل أسئلة كثيرة واعمل على أن اجد إجابة لما أسأل.

فعندما عدت إلى القاهرة تابعت الموضوع الذي أثار فضولي فعرفت أن الصين تستورد من بلاد مثل مصر رخامًا من درجة جودة منخفضة وتطحنه لتكون منه مسحوقًا ناعمًا وتخلطه بسوائل معينة وتقسمه إلى أقسام وتلون كل قسم بلون من ألوان الرخام الطبيعي، فيصبح هناك سوائل رخام بألوان مختلفة.

هل تعرف كيف تطبع ألة الطباعة الصور الملونة؟

إنها تستعمل زجاجات لكل لون سائل: أحمر، أخضر، أصفر وأسود، وحسب اللون المطلوب لكل نقطة في الصورة التي تعمل آلة الطباعة على طباعتها تضع الآلة نقطة من لون السائل المطلوب.

هذا هو نفس فكر "طباعة" هذا الرخام! ولكن في هذا الفكر لا يتكون الرسم فوق الورق أو فوق مادة أخرى، بل يطبع الرسم في الوقت الذي تتشكل فيه المادة التي يطبع عليها، ويطبع بناءً على أوامر تصل إلى الآلة الطابعة من كمبيوتر يأمرها بطبع هذه الطبقة الرقيقة من الرخام فوق ألواح الأسمنت بأشكال كثيرة مستوحاة كلها من الطبيعة، لذا يظهر المنتج وكأنه رخام طبيعي، فهو مكون من مسحوق رخام طبيعي، بألوان الرخام الطبيعي، وبصور الرخام الطبيعي!

فكرة عبقرية تجعل الصين تستورد رخامًا من بلد ما، وبدلا من أن تصنع منه كمية (س) بالطريقة التقليدية، تصنع منه كمية مهولة ( مثلاً 100 س) من الرخام "المطبوع" الذي تبيعه لبلد المنبع بأقل من ثمن الرخام الطبيعي! ولأنها تبيع من هذا الرخام كميات كبيرة فلكم أن تتصوروا ربح هذه الصناعة.

القصة الثانية: منذ حوالي اسبوع قرأت عن مركز أبحاث في الولايات المتحدة حصل على منحة لعمل أبحاث في كيفية عمل Printed 3-Dimentional Food وترجمتها الطعام ثلاثي الأبعاد المطبوع.

تساءلت ما هذا؟ هل سنطبع الطعام أيضًا؟ وهل هناك طعام ثنائي الأبعاد وآخر ثلاثي الأبعاد؟ ولما هذا؟

قرأت الموضوع فعرفت أن السفر إلى الفضاء سيحتاج إلى طرق تفننية لحفظ الطعام في مكان محدود ولأوقات طويلة، فكانت فكرة نظام الطعام ثلاثي الأبعاد المطبوع. في هذا النظام يعمل الكمبيوتر صورة ثلاثية الأبعاد لمكونات الطعام الذي نريد حفظه، مثلا بيضة مسلوقة، ويعرف في كل نقطة من الصورة ثلاثية الأبعاد مكوناتها من ماء وهواء وبياض البيضة وصفارها ورائحة كل من بياض البيضة وصفارها، ثم يجفف العلماء بياض البيضة وصفارها كل على حدى، وعندما يحتاجون طباعة بيضة مسلوقة يضعوا كل من مكوناتها في أوعية خاصة متصلة بالكمبيوتر، وعاء لبياض البيضة وآخر لصفارها وآخر لرائحة صفار البيضة وهكذا، ووعاء للماء، وبما أن الكمبيوتر قد حلل في كل نقطة كمية المواد الصلبة فيها من بياض أو صفار البيضة وكمية الماء والهواء والرائحة فيعطي الأمر لكل وعاء أن يضع في كل نقطة من صورة البيضة احتياجاتها من كل وعاء، ويمسح الكمبيوتر في طبقات متتالية البيضة حتى يطبع بيضة ثلاثية الابعاد من مكونات مسحوق البيض!

فكرة عبقرية أخرى!!

لماذا أسرد هاتين القصتين؟

أسردهما لأنني وصلني مقطع يوتيوب لشيخ من شيوخ الإعلام الذين تستقبلهم بعض القنوات الفضائية لتظهر لنا سطحية فكرهم وفهمهم للدين. وأنا هنا لا اعترض على الدين أو التدين، ولكن اعترض على كيفية تناول هذه الفئة من شيوخ الاعلام لقضايا الدين، فكدت أبكي وشعرت أن العالم يتقدم بخطى سريعة ونحن نتراجع بخطى أسرع. هم يهتمون بالعلم والتقدم، ويعملون ويكسبون، ونحن نتعارك في أمور الدين، سني أم شيعي؟ إسلامه منضبط أم لا؟ فنخسر ونزداد فقرا، وكان الأولى بنا أن نهتم بالعلم كما أمر الدين.

أجد نفسي أتساءل: "ما الذي حدث لنا؟ ماالذي جعلنا نهتم بأشياء لم نكن نهتم بها من قبل؟"

أسئلة كثيرة تنتظر إجابة.

وهنا قالت شهرزاد: "هل نحن فريسة لمخطط يعرف مدى تعلقنا بديننا فاستعمل الدين ليهلكنا؟"، وسكتت عن الكلام المباح. 

د. سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون