الأحد، 21 نوفمبر 2010

لماذا نقرأ؟

سألتُ: "هل رأيت المدونة؟"
قال: "جميلة، ولكن مقالاتها طويلة. لقد أصبحنا الآن في عصر التيك أواي، الناس تقرأ الفيس بوك، والتويتر، وتريد المعلومة في أصغر كمية كلام ممكنة."
قلت: "إنك لم تفهم بعد ما أهدف إليه، أنا لا أهدف لإعطاء المعلومات. إذا كنت تسعى للمعلومات فابحث عنها في الصحف والمجلات والتليفزيون، ستجد معلومات كثيرة، وصورًا ثابتة، وصورًا متحركة، وبالألوان أيضًا، أما أنا فأسعى لتكوين إنسان سوي في مجتمع سوي، والمعلومات والأفكار ما هي إلا أدواتي. أتعرف ما الفرق بين الانسان والحيوان
"
قال: "الذكاء، فنحن أذكياء، أما الحيوان فتفكيره محدود."
قلت: "الكثير يعتقد أن الفرق فعلاً هو الذكاء، ولكننا نجد عند الحيوانات المتقدمة مثل الشمبانزي ذكاءً يوازي ذكاء الطفل، وقد قيل في وقت ما أن الفرق بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان يستطيع أن يستعمل الأدوات مثل الادوات التي تساعده على الصيد، ولكن بعض العلماء قاموا بتجربة وضعوا فيها شمبانزي في قفص به قطعة خشب، فاستعمل الشمبانزي قطعة الخشب ليفتح قفل القفص الميكانيكي. ها هو الشمبانزي يستطيع أن يفكر، وعنده ذكاء يساعده على حل مشاكله، ولكي يحل مشاكله يستطيع أن يستعمل أدوات خارجية، ففي كل هذه الأشياء هو يشبه الانسان".
قال: "ما هو إذًا الفرق بين الانسان والحيوان؟"
قلت: "منذ حوالي ثلاثين ألف سنة عندما ظهر الإنسان على الأرض كان هو الكائن الوحيد الذي يدفن مع موتاه أشياءً يستعملونها في حياتهم مثل الحبوب والأدوات. وبالمثل بعض الطيور أو الحيوانات قد تدفن موتاها ولكنها لا تضع معها شيئًا."
قال: "وما أهمية ذلك؟"
قلت: "أن يضع هذا الانسان مع موتاه حبوبًا وأدوات فهذا دليل أنه منذ قديم الأزل وهو يعتقد أن هناك حياة بعد الموت، أي أنه كان يتمتع بحس روحاني، أي أنه كان يستطيع أن يتفكر في غير المرئي، وهذا الانسان القديم هو أيضًا الكائن الوحيد بين الكائنات الحية الذي دفن مع موتاه أدوات تجميل مثل الحلي، وهذا دليل على حسه للجمال، الذي هو دليل آخر على قدرته على التفكر، كذلك، هو الوحيد في عصره الذي رسم لوحات على جدران مغارات في جنوب فرنسا، وفي إسبانيا، وهذه اللوحات دليل على حسه الفني الذي هو دليل ثالث على قدرته على التفكر، فهذه الصفات الثلاث (الاعتقاد في الحياة الأخرى، والجمال والفن) تؤكد أن التفكر صفة أساسية للإنسان منذ قديم الأزل، أما الحيوان، فإلى الآن، وحتى المتقدم منه مثل الشمبانزي، لا يظهر قدرة على التفكر، فكما ترى أن التفكر من أهم الصفات التي تفرق بين الإنسان والحيوان."
قال: "وهل هناك صفات أخرى تفرق بين الإنسان والحيوان؟"
قلت: "ربما أهم فرق بيننا وبين الحيوان هو أننا نستطيع أن نفكر بالكلمة، ولاحظ أنني أقول نستطيع لأن أحيانًا الإنسان لا يأخذ كل الفائدة من صفة التفكير بالكلمة التي هي أهم رمز لإنسانيته. الببغاء يستعمل الكلمة فيتكلم، لكنه لا يفكر بالكلمة، وكثير من الحيوانات تتواصل صوتيًا مع إخوانها، وتخرج أصواتًا مختلفة، منها ما يدل على الخطر، ومنها ما يدل على وجود الطعام، ولكن هذا التواصل لا يرقى إلا مستوى استخدام الكلمة في جملة لتوصيل أفكار مركبة. فالإنسان هو الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بذلك."
فسأل: "لماذا ينفرد الإنسان بالكلام؟"
قلت: "أحباله الصوتية تمكنه من ذلك، وهي تختلف عن الأحبال الصوتية عند الحيوانات المتقدمة مثل الشمبانزي، والعجيب أنه عندما يستعمل الكلمة في التفكير فهو يغير من عمل الجانب الأيسر لمخه، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يختلف عمل الجانب الأيسر لمخه عن عمل الجانب الأيمن، لأنه هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يستعمل الكلمة في التفكير. هل فهمت لماذا نقول أن الكلمة أساس إنسانيتنا، وأن القراءة دليل مهم ومُفعل لإنسانيتنا؟"
سكت ليتفكر فيما قلته، فاستطردتُ قائلة: "إنسانيتنا ترتكز إلى القراءة والتفكر، وهما ما يفرقا بيننا وبين الحيوان، وهدفي، وقد أوضحته في كتب وبرامج "أنا ونحن"، أن أنمي في أولادنا التفكر والقراءة، وربما لاحظت أنني كثيرًا ما أشجع على ذلك."
ثم أكملتُ كلامي: "أنا أعرف أن شبابنا صار لا يقرأ، ولا يحب القراءة، ويملها سريعًا، وما يحزنني أننا نتقبل هذا ونعتقد أنه شيء طبيعي نتيجة لتقدمنا التكنولوجي، ونتناسى أننا من أقل شعوب العالم قراءة. إذا ركبت قطارًا أو طيارة أو سرت في مطار في الشرق أو في الغرب ستجد كثيرًا من الناس يقرئون الكتب، أما عندنا فيجلسون محدقين في الهواء. الآخرون يطورون من عقولهم عن طريق القراءة، ونحن نملها، ونكتفي بقراءة الفيس بوك، والتويتر، وإذا قرئنا الكتب أو المجلات نريد أن يكون بهم صورًا لأننا مثل الأطفال لم ننمي تفكيرنا المبني على الكلمة، بل مازلنا نحتاج للصورة لنفكر."
"ولأنني أعرف كل ذلك، فقد بدأت كتاب "أنا" بكلمات قليلة وصور كثيرة، وفي كل كتاب يليه من كتب "أنا ونحن" كنت أكثر من كمية الكلمات وأنقص من الصور، وهنا في المدونة سأعمل على ألا يتواجد بها الكثير من الصور، فهي تستند إلى الكلمات والمواضيع التي تساعد على التفكر، ذلك، لأنني أهدف إلى أن نتعود حب الكلمة، حب القراءة.
والآن هل وضح لك هدف الكلمات الكثيرة في المدونة؟ هل وضح لك لماذا نقرأ ولماذا يجب أن نحب القراءة ؟"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون