الخميس، 6 ديسمبر 2012

المصري الخفي للمرة الثانية


في مدونة سابقة قدمنا صورًا للبلاد التي هدفت للتقدم وكيف اهتمت بالمواطن فيها وعملت على الارتقاء به بطرق مختلفة، مفترضة أن الفرد عامل مهم في تقدم مجتمعه. وفي هذه المدونة سنحلل الطرق التي اتخذتها هذه البلاد للتقدم لنستخلص منها أفكارًا تستطيع أن تفيدنا، علمًا بأن لكل بلد ظروفه الخاصة.

فنجد أن اليابان ركزت على التقدم الحضاري، وعملت لذلك على 3 مستويات: المدرسة والجيش والورش الفنية. في المدرسة عملت على إكساب الطلاب صفات تساعد على تقدم المجتمع (النظام والعمل الجاد والادخار) وارسلت البعثات الفنية إلى الغرب، وفي الجيش استعملت فترة التجنيد لتخلق

مواطنًا يابانيًا حضاريًا، وساند الورش الفنية في حفاظها على ثقافة العامل بجانب كونها أماكن لتكوين حرفيته. ولأن التقدم الحضاري لن يتحقق إلا في وجود فرد ومجتمع سوي فقد اهتمت الحكومة بالحفاظ للشعب على اعتزازه بنفسه، وترابطه الأسري، وقيمه الأسرية وأن تبقى أخلاقيات العمل عنده عالية.

وماليزيا، مثل اليابان، ركزت على مشكلة أساسية واحدة وهي الاقتصاد وكيف أن اقتصاد البلد كان في يد الأوروبيين والصينيين والهنود، في الوقت الذي لا يمتلك فيه سكان البلد الأصليون، البوميبترا إلا 2.4% منه، فعملت الحكومة باستراتيجية العشرين عامًا، الـNEP من 1970 إلى 1990 ، التي هدفت فيها إلى زيادة هذه الحصة إلى 30% وحصة الصينيين في الاقتصاد من 34.3% إلى 40%، أي هدفت ألا ترتفع بالبوميبترا على حساب الصينيين لكي لا تخلق المزيد من الحزازات.

ولأن التقدم الاقتصادي لن تقوم له قائمة في وجود فقر وتأخر ثقافي في فئة كبيرة من الشعب (البوميبترا) فقد عملت الحكومة في فترة الـNEP على تعليم هذه الفئة (عن طريق العديد من المعسكرات والبعثات التعليمية إلى الغرب)، وتغيير بعض العوامل الثقافية فيها (الكسل، وعدم الادخار)، وفي الوقت نفسه عملت على مساعدتها على الحفاظ على قيمها الأسرية كما عملت اليابان مع مواطنيها. ولأن غياب التجانس الشعبي سيمتص من قوة الشعب في التقدم الاقتصادي، ولن يقوم له قائمة، ففي استراتيجية العشرين عامًا ركزت الحكومة على ألا تنفر الأقليات الأخرى، الصينيين والهنود، وعندما خان الصينيون عهدهم مع تحالف حزب الحكومة الـUMNO لم تنتقم منهم الحكومة، بل أعطتهم إمتيازات كانوا يتمنونها وهي الجنسية الماليزية وبذلك اكتسبت ولاءهم.

ونرى مرة أخرى نفس الصورة في سنغافورة، فقبل نهضتها كانت بلدة فقيرة في جزيرة صغيرة وغير متجانسة العرق، وكان هدفها في النهضة أن تصبح مركزاً اقتصاديًا عالميًا (وهو نفس الهدف الذي رسمته لنفسها دبي لأنهما لا تستطيعان أن تكونا مركزًا صناعيًا أو زراعيًا)، فسنت القوانين وقدمت التسهيلات لجذب الاستثمارات، ولأنها عرفت أنها لن تصل إلى هدفها الاقتصادي إلا إذا أهلت شعبها لذلك، فعملت على التقدم بشعبها والحفاظ على ترابط نسيجه الوطني فشجعت الشعب على الادخار، وعلى إمتلاك منزله، وشجعت الأجداد أن يسكنوا بجانب أبنائهم وأحفادهم، والأقليات أن تسكن مع الأغلبية وأن يعملوا معًا في إدارة منطقة سكنهم.

وفطنت سنغافورة إلى أنها لن تستطيع أن تصل إلى هدفها إلا إذا حلت مشكلة المواصلات فيها فلن تقبل شركة أن تفتح مكتبًا لها في مدينة يحتاج التحرك فيها من مكان إلى آخر إلى ساعات في الطريق، وكونها جزيرة صغيرة لن يجعلها تتحمل عدد سيارات لا نهاية له، فكيف واجهت الحكومة هذه المشكلة؟ شيدت شبكة نقل عام رائعة تغني الفرد عن احتياجه لسيارة خاصة، وحددت عدد لوحات ترخيص السيارات، فلكي يرخص فرد سيارة جديدة عليه أن يشتري لوحات ترخيص من سيارة أخرى قد كهنت ولم تعد تسير في الطرقات، ويدفع في ذلك ثمنًا قد يصل إلى مائة ألف دولار! بهذه الطريقة استطاعت الحكومة أن تحد من عدد السيارات التي تسير في الطرق، وحلت مشاكل المرور، وشجعت الاستثمارات أن تأتي إلى سنغافورة.

نلاحظ مما سبق أنه كان لدي البلاد التي تقدمت الشجاعة أن تواجه مشاكلها المجتمعية الأساسية، فشخصت ما هي المشكلة الأساسية، وماهي المشكلات الفرعية وتعاملت معهم بناءً على استراتيجية واضحة كان من أهدافها الحفاظ على كيان الأسرة وثقافتها وأخلاقياتها.

ماذا عن مصر؟

في المدونة التالية سأقدم تحليلي لموقفنا في مصر، ولكل فرد حرية التفكير والاعتقاد.

وهنا قالت شهرزاد "ما زال المصري، المسلم والمسيحي، والفلاح، وساكن المدن أو العشوائيات هو الرجل الخفي، the invisible man، في معادلة التقدم" وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري 

هناك تعليقان (2):

  1. مدونة رائعة ، ولكن هناك شئ ينقصها، ألا وهو عنصر الوقت، فنحن ما زلنا لم نتحدث عن الوقت وأقارن هذا بما يحدث فى مصر حالياً، لماذا لم يتم إعطاء رئيس الجمهورية الوقت الكافى من الهدوء السياسي فى مصر لكى يقدم أفضل ما عنده بدلا من أن يقوم بعض من يدعون أنهم جبهة للإنقاذ الوطنى بتحريض الشعب على النزول الى الشارع المصرى لعمل إحتجاجات مناهضة ضد الرئيس بحجة أن الدستور باطل مع العلم أنه يوجد وقت للإستفتاء،
    ولكن هؤلاء الذين يقومون بدعوة الشعب الى الاحتجاج والاعتصام بزعم انهم جبهة الانقاذ الوطنى فهم يحرضون الناس على وقف عجلة الانتاج وتعطيل مصالح البلاد

    ياريت يا دكتورة تزودى المدونة دى بالفترات الزمنية اللى استغرقتها البلاد دى لتحقيق ما ترجوه من نمو وتطور

    ردحذف
  2. سيدي غير معروف،

    لا أتكلم في السياسة لأننا قبليون. في كل مناقشاتنا نرى أن من واجبنا أن نقف وراء رئيس القبيلة ونناصره حتى إذا لم يكن على صواب ونعرف أنه على غير صواب. ثقافتنا تملىي علينا ألا نتقبل من الفرد أن يكون له كيانه ورأيه. هي ثقافة توارثناها من أجيال مضت، وجعلتنا نطيع ولي الأمر ولو كان على غير حق وبالتالي فلا أجد فائدة من الكلام في المواضيع المهمة الحالية لأن خطابي ليس مع المنبع، إنني أخاطب من يرددون صوت المنبع، وحتى إذا وصلت إلى المنبع نفسه فنحن لا نقتنع بسهولة وحتى عندما نقتنع نقتنع باستحياء وكأن الاقتناع دليل الضعف.

    فعلى إيه؟

    الأفضل أن أركز على المعلومات والتحليل، فأعطي معلومات للقارئ، معلومات من قراءاتي وخبراتي عن البلاد التي تقدمت، وأقدم بعض التحليلات وعلى القارئ أن يستنتج منها ما يريد. طبعًا كنت أتمني أن يكون هناك صدى لأفكار قناعتي مثل أفكار مهاتير محمد أن نبتعد عن كل ما يفرقنا، ونركز على كل ما يجمعنا، ونضع أيدينا في أيدي بعض ونبني هذا البلد المسكين، ولكن أولياء الأمر رأوا غير ذلك، فللأسف بدأنا طريق الانحدار، ونحاول أن ننقذ ما نستطيع إنقاذه.

    د. سهير الدفراوي المصري

    ردحذف

المتابعون