الأربعاء، 2 مايو 2012

ما السبب؟ المناخ؟ تحديد المسئوليات؟ أم ثقافة؟


كنت منذ بضعة أيام عند صالون كوافير لأقص شعري. وقد واظبت على المجيء إلى هذا الصالون منذ سنوات. وتملك هذا الصالون "مدام ه" وهي سيدة ألمانية في غاية الذوق والأخلاق. "مدام ه" متزوجة من شاب مصري، وعاشت في مصر منذ أكثر من عشرين سنة، وتتكلم العربية بطلاقة. وهي خبيرة في عملها، فهي حاصلة على شهادات من ألمانيا في تصفيف الشعر، وفي إدارة صالون الكوافير، وتدير صالونها بكفاءة عالية، فهو نظيف، وفي غاية النظام، والمواعيد التي يعطيها الصالون منضبطة، وكل شيء يسير في الصالون مثل الساعة. لا تنسوا أنها ألمانية، فالنظام في دمها.

وفي الصالون تعمل مساعدات لها مصريات، مؤدبات، تعلمن من "مدام ه" كيف يحافظن على النظام في المكان، وكيف يظهرن كل الاهتمام بالزبائن، فيسألنهن دائمًا ماذا يردنن أن يشربن، ويأتين بالمشروب في أسرع وقت.

وتعيش "مدام ه" مع عائلتها في نفس مبنى الصالون، وأحيانًا تترك الصالون لمساعداتها وتذهب إلى منزلها، والحق يقال أن المساعدات يقمن بعملهن أحسن قيام في وجود أو في عدم وجود "مدام ه" وكل شيئ يسير في الصالون مثل الساعة.

ومنذ بضعة أيام عندما ذهبت إلى الصالون كنت أعرف أن "مدام ه" تزور والدتها في ألمانيا، وكان كل شيئ يسير على ما يرام، إلا أن المساعدة الأكثر أقدمية عنفت المساعدة الأقل أقدمية عنفًا شديدًا دون أي مراعاة أن الزبائن قد يسمعن صوتها وهي تعنفها، وفي أقل من نصف ساعة أعادت الكرة مرة أخرى وعنفتها بصوت مرتفع.

تعجبت لهذا التصرف من مساعدة "مدام ه"، وهي المساعدة الأكثر أقدمية. في كل السنين الماضية لم أسمع صوت مرتفع في هذا المكان. "مدام ه" تعامل الكل باحترام، فمن المؤكد أن المساعدة الأكثر أقدمية لم تتعلم هذه المعاملة من "مدام ه"، فما سبب هذا التصرف؟ هل لأن "مدام ه" كانت غير متواجدة في الصالون؟ ولكني قد حضرت مرات عدة إلى الصالون في عدم وجودها ولم أر شيئًا مثل هذا التصرف.

وفي اليوم التالي كنت في اجتماع مع أخصائي تنمية بشرية وأخصائي إدارة، فبعد ما تكلمنا في موضوع الاجتماع، قصصت عليهما ما رأيت البارحة وسألتهما كيف يحللا ما رأيت.

قال أخصائي التنمية البشرية أنه يعتقد أن "مدام ه" لم تخلق المناخ العميق، السميك الذي يضمن أن العمل يسير في عدم وجودها كما يسير في وجودها، فهذا المناخ يحتاج لوقت ومجهود، وأن النظام الذي أراه عندما تترك "مدام ه" الصالون لفترة بسيطة كان مفعول مناخ ضحل، يعتمد على أن "مدام ه" قد ترجع في أي لحظة. فكان هذا كلامًا معقولاً!

وقال أخصائي الإدارة أنه يعتقد أن "مدام ه" لم تحدد المسئوليات وتوضح القوانين لسير العمل، فكانت تكتفي بإعطاء المثل، فهي تعامل الكل باحترام، ولا ترفع صوتها، وكانت المساعدات يتصرفن مثلها، ولكن لم يكن هناك تحديد مسئولية وتوضيح نتيجة إذا رفعن صوتهن، أو تصرفن بطريقة غير لائقة. كلام معقول أيضًا، ويتفق مع فكرة المناخ، فتحديد المسئولية وتوضيح القوانين من عوامل خلق المناخ.

وتذكرت ما حدث منذ عشر سنوات عندما عدت إلى مصر ومكثت بضعة أسابيع في إجازة الصيف مع عائلة إبنتي. كان حفيدي ذو العشر سنوات، عندما يخرج والداه من المنزل يبدأ يتصرف بغطرسة مع مربيته، فينهرها، ويأمرها أن تحضر له الفطار دون أن يستعمل كلمات ذوق مثل من فضلك، أو لو تسمحي، وهي التي ربته منذ ما كان سنه بضعة شهور. ولم يكن هذا التصرف يظهر إلى في عدم وجود والديه. كنت أتعجب: من أين تعلم هذه المعاملة؟ فوالداه يعاملان مربيته بكل ذوق، ولم أرهما البتة يشخطان فيها. فمن أين جاء بهذا التصرف؟

توصلت إلى نتيجة أن حفيدي يتصرف بناء على ما تمليه عليه ثقافتنا، فهو يرى في التلفزيون أن الرئيس ينهر مرؤوسه، والقوي يشخط في الضعيف، وفي عدم وجود والديه هو القوي، وهو الرئيس، فهو يتصرف بناءًا على ما يعتقد أنه الأصول، والدليل أنه عندما ذهب ليدرس في الخارج وعاش في ثقافة فيها احترام للكل رجع يعامل مربيته بدون غطرسة، وفكرة الثقافة تكمل فكرتي المناخ وتحديد المسئولية وتوضيح القوانين، فنحن نحتاج أن نحدد المسئولية ونوضح القوانين لنخلق المناخ الذي يساعدنا على التغلب على هذا الوجه من ثقافتنا.

وهنا قالت شهرزاد: "جميل أن يكون عندنا الرؤية والشجاعة أن نحلل ونقيم تصرفاتنا"، وسكتت عن الكلام المباح.

هناك 4 تعليقات:

  1. فعلاً تحديد المسئولية من عوامل خلق المناخ الجيد لسير العمل بطريقة أوتوماتيكية وجيدة

    ردحذف
  2. نفسي يكون في حد زي حضرتك يساعدنا على تطوير نظام الشغل عندنا في شغلنا

    ردحذف
  3. ما أحلاها تقسيم المسئولية!
    ياليتها كانت تُطبق لدى فى العمل
    موضوع جميل!

    ردحذف
  4. شكرا علي المدونة الجميلة واحيي قدرتك الرائعة علي انتقاء التفاصيل البسيطة وبلورتها الي رؤية متكاملة تكشف بعض القوانين التي تغيب عنا... سؤال اخير نسائي بحت بس فعلااصبخ عندي فضول اني ازور صالون مدام ه .. ممكن العنوان؟ :)

    ردحذف

المتابعون