الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

قصة جميلة من فنزويلا

فنزويلا من بلاد أمريكا الجنوبية التي يوجد فيها الغنى الفاحش والفقر المدقع، وعندما يبقى الفقر المدقع في مجتمع أكثر من جيلين متواليين (كما هو الحال في عشوائيات أمريكا الجنوبية وفي عشوائيات مصر)، تتفكك سلسلة التواصل الثقافي بين الأجيال، ذلك لأن الأم التي تربي الجيل الجديد في العشوائيات هي نفسها قد تربت في عشوائيات وليس عندها ذاكرة لوقت مضى رأت فيه عناية، واهتمام، ونظام، وثقافة، فهي لا تستطيع أن تعطي ما لم تأخذ، ومع الفقر المدقع تضيع ثقافة المجتمع، واعتزازه بنفسه، وتتغير أخلاقياته، وينحدر إلى مستوى إنساني متدني، فينساق الفرد إلى المخدرات والجريمة، ويصبح من الصعب انتشاله من مستنقع العشوائيات.
دكتور خوزيه أنطونيو إبرو مدرس فنزويلي يُدرّس الاقتصاد في الجامعة، ويهوى الموسيقى الكلاسيكية التي تعلمها في الصغر. وفي عام 1975 قرر دكتور إبرو أن يرتفع بالمستوى الإنساني للأطفال الفقراء المعدمين في بلده،
فتطوع لإعطائهم دروس موسيقى كلاسيكية وآلات موسيقية، وبعد كل درس كانت أمهات الأطفال تجلبن الجارات وأولادهن، فيتضاعف عدد الأطفال، وبعد أقل من أربع سنوات تبنت الحكومة مشروعه وساعدته مادياً، وسمي المشروع "السيستما" (ومعناه النظام).
كبرت مكانة دكتور إبرو في بلده وفي العالم، ومعه ترعرعت "السيستما". أصبح عضواً في البرلمان ثم وزيراً للثقافة، وكون من الأطفال والشباب أوركسترات عديدة (هناك حالياً أكثر من خمسين أوركسترا للأطفال وأكثر من مائة أوركسترا للشباب) وحصل على جوائز عالمية قيمة مثل "جائزة نوبل الأخرى"، وجائزة من إمبراطور اليابان أكيهيتو، كذلك كان سفيراً لهيئة اليونسكو ومنحته الهيئة الجائزة العالمية للموسيقى.
وبدأت البلاد الأخرى تهتم بالسيستما، فتكونت فروع لها في أمريكا اللاتينية وفي اسبانيا، وفي نيويورك سيتي، وقررت اسكتلندا استيراد نظام السيستما لكسر سلسلة الفقر في بعض مناطقها. وقيل إن كل دولار يصرف على السيستما يقابله 1.68 دولار فائدة تأتي للمجتمع من ورائه.
وفي خريف 2007، لعبت أوركسترا السيستما في ألبرت هول في لندن وأدهشت العالم ونالت إعجابًا مثل ما يناله موسيقي الروك.
من كان يقود أوركسترا السيستما؟
شاب عمره سبعة وعشرون عامًا إسمه جوستاف دودامل إنتشلته السيستما من العشوائيات والفقر، والمخدرات، والجريمة، وهو الآن بطل موسيقي تتخاطفه أكبر وأعرق الأوركسترات في العالم وتدفع له مئات الآلاف من الدولارات، وتتغزل في قيادته الرائعة، وحيويته في القيادة حيث يقال أنه يقود بروحه، وبكل خلية في جسمه.
ما هو سر جوستاف دودامل، وما هو سر السيستما؟
العشوائيات ليست فقط مساكن من صفيح أو حوارى ضيقة ملتوية، بل هي طبيعة لا تحترم النظام، ولا تعرف المواظبة على العمل، وتمل بسهولة، ويقال أن العشوائية هي ضياع الثقافة وقلة الاعتزاز بالنفس.
لقد أثبتت الأبحاث أن لعب الآلات الموسيقية لمدد طويلة وتأليف الموسيقى يؤثر على أماكن كثيرة في مخ الشباب والأطفال، أماكن مخصصة لمكونات الموسيقى المختلفة، مثل التناغم، والإيقاع المتكرر، وأيضًا يتفاعل مع مناطق أخرى في مخ الطفل مخصصة لأعمال مختلفة، فقد أثبتت الأبحاث أن لعب الآلات الموسيقية يساعد الأطفال على التفوق في علوم الرياضة ويحسن من تركيزهم في المذاكرة، ومن ذاكرتهم، ومن ملاحظتهم للأشياء، ومن تفننهم. والموسيقى تغير مخ من يلعبونها لفترات طويلة، إذ تكثر عندهم الأعصاب التي توصل المخ اليمين (حيث التفنن) مع اليسار (حيث المنطق).
فسر السيستما هو أنها استعملت تعليم الأطفال الموسيقى الكلاسيكية كوسيلة لجعلهم يتمرنون ساعات طويلة، فيتعلمون الصبر، والمثابرة والنظام، فبذلك، غيرت فيهم صفات العشوائية. وأيضًا، عن طريق الساعات الطويلة في التمرينات الموسيقية غيرت من عمل مخهم، وارتفعت بمستواهم الإنساني، فاستطاعت أن تخلق منهم موسيقيين بارعين مثل جوستاف دودامل، وأيضًا أطباء ومهندسين ومهنيين بارزين. هذا هو سر السيستما وسر نجاح جوستاف دودامل ومن مثله.

هناك تعليق واحد:

المتابعون