الثلاثاء، 24 يوليو 2012

أفكار للدستور الجديد


في الفترة الماضية عاصرنا زوبعة كبيرة في الإعلام سببها من يسعون إلى تغيير المادة الثانية من الدستور ومن لا يوافقون على التغيير. لكنني أرى أن هناك موضوعًا لا يقل أهمية، وربما يزيد، ولكننا لا نلتفت إليه، وهو موضوع المال وكيف يشتري المال المقاعد الانتخابية بطريقة قانونية عن طريق استعمال الدعاية المفرطة والإعلام، وكثيرًا ما تساعده في ذلك شركات العلاقات العامة العالمية التي تتخصص في كيفية غسيل مخ الشعوب.

وينتج عن هذا الإفراط في الدعاية والإعلانات أن ينتخب الناخبون المرشح صاحب أكثر وأفضل دعاية، والافضل ظهورًا إعلاميًا، أي المرشح الذي يتحكم في أكثر كمية من المال. وهذه الملاحظة تتوافق مع ما قاله وزير إعلام هتلر، الذي قال منذ أكثر من نصف قرن ما معناه أنك إذا رددت كذبة كثيرًا تستطيع أن تجعل الناس يصدقونها. وبالتالي، ينتج عن ذلك، أن من يُنتخب حاليًا في كثير من البلاد الديموقراطية هو المرشح الغني وليس المرشح الأكثر كفاءة. نرى هذا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بلاد أوروبا الشرقية التي تحولت إلى الديموقراطية.

خطر نتيجة هذا النوع من الانتخابات الديموقراطية التي يغذيها المال المفرط ليس فقط لأنها لا تساعد على انتخاب المرشح الأكثر كفاءة، ولكن لأنها تأتي بالمرشح الأكثر مديونية مادية ومعنوية لمن ساعدوه بالمال أو بغيره ليصل إلى مكانته. فإذا كان قد صرف على حملته الانتخابية من أمواله الخاصة فسيضطر أن يعمل على استرجاع الملايين التي أنفقها، وفي هذا الطريق ينزلق إلى الفساد، أما إذا كان استند إلى أموال المجموعات الكبيرة التي تبرعت لانتخابه فسيصبح أداة في أيديهم، ويشرع لمصلحتهم وليس لمصلحة البلد، وهذا ما نراه في الكونجرس الأمريكي الذي يصبح مديونًا لرجال أعمال وول ستريت، وكثيرًا ما يظهر في قراراته تحيزه تجاههم، كذلك، هو مديون لأغنياء أمريكا الذين يساندون إسرائيل، والبعض يقول تندرًا على هذه العلاقة أن اللوبي الإسرائيلي قد اشترى الكونجرس الامريكي ودفع ثمنه.

أما في بعض بلاد أوروبا الشرقية التي تحولت آخر القرن الماضي إلى الديموقراطية ولم يكن عندها المؤسسات والجمعيات المدنية التي تساند الديموقراطية وتشرف عليها، فقد مرت هذه البلاد بفترات انتقالية تحولت فيها ثروات البلاد إلى المليونيرات الجدد اصحاب القيم المشبوهة، وبعضهم استعمل ماله الطائل، وبمساعدة من شركات العلاقات العامة ليصل إلى البرلمان والحكم، كما هو الحال في أوكرانيا.

وترعرعت المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية، فحكم قضائي من المحكمة العليا في 2010 أنتج ثغرة قانونية فتحت الباب على مصراعيه لمن عنده المال ويريد أن يشتري دون حساب إعلانات انتخابية لمرشحه المفضل (فالمحكمة اعتبرت الإعلانات التلفزيونية المدفوعة من غير المرشح حرية تعبير وليست إعلانات!!)، فرأينا المليارديرات، الاخوان كوخ، وأدلسون يدفعون عشرات الملايين الدولارات لإعلانات لمت رومني، فيساعدونه في شراء كرسي الرئاسة الأمريكية الذي اصبح في هذا الوضع للبيع. وماذا عن مصر؟

تحكم المال في الانتخابات عن طريق الدعاية والاعلام وشركات العلاقات العامة يأتي لمصر بكثير من الضرر، أولاً لأن الشعب فقير، وقليل التعليم، ويمضي وقتًا طويلاً أمام التلفزيون ويتاثر به، ثانيًا، مصر محاطة ببلاد فاحشة الثراء تستطيع إن أرادت أن تغرق الانتخابات المصرية بمالها وتؤثر عليها، ثالثًا، فساد عهد مبارك قد جعل المال يتمركز في أياد غير أمينة ستحاول أن تستعمل هذا المال لترجع مرة أخرى إلى حلبة السلطة.

فماالعمل، إذًا؟

لقد رأينا في الدانمرك كيف أن ثلثي البرلمان يتكون من التربويين أو من كانوا تربويين، وهم ليسوا من الأغنياء، وأرجعنا سبب ذلك إلى الدرجة العالية من التعليم في الشعب الدانمركي، وإلى تحجيم دور الإعلام عن طريق فرض ضرائب على أجهزة التلفزيون وعلى الاستقبال عن طريق الدش، ووقف الإرسال المحلي في نصف الليل.

ورأينا في انجلترا كيف أن الدعاية في الشوارع والتلفزيون ممنوعة، وأن أجهزة التلفزيون ترخص، وأن البي بي سي، وهي القناة الحكومية الحرة، تعطي أوقاتًا متساوية للمرشحين يشرحون فيها آراءهم تجاه الأمور المختلفة.

ماذا اقترح؟

لن نستطيع من يوم وليلة أن نغير الشعب المصري من حيث الفقر، والتعليم، والوقت الذي يمضيه أمام التلفزيون، ولن نستطيع في الوقت الحاضر أن نفرض ضرائب على أجهزة التلفزيون، ولكننا نستطيع أن نقنن دور المال، والدعاية والتلفزيون في العملية الانتخابية، فأقترح:

- أولاً، أن تمنع الدعاية الانتخابية عن طريق الوسائل المكتوبة، والمسموعة، والمرئية، بما فيها اللافتات، والراديو والتلفزيون، والمجلات والجرائد، وبما فيها الدعاية الصريحة المباشرة، وغير المباشرة عن طريق التغطية الإعلامية لندوات انتخابية، أو عن طريق برامج تعليمية، او إخبارية.

- ثانيًا، أن تقتصر الدعاية على برامج نقاشية تقدمها القنوات الحكومية بالتعاون مع القنوات الحرة، يناقش فيها المرشح افكاره، وتتعهد القنوات التلفزيونية، حكومية كانت أو حرة أن تعطي وقتًا لجميع المرشحين متساويًا من ناحية عدد الدقائق، ومن ناحية وقت الإذاعة، وطريقة التقديم.

- ثالثًا، أن تكون هناك قوانين واضحة ورادعة لما يصرف من مال في الانتخابات، ومن أين يأتي المال، وتكون هناك حسابات أمينة لذلك،

- رابعًا، أن تشرع قوانين وتكون رادعة إذا لم يطبق القانون،

- خامسًا، أن ينص الدستور على هذه القوانين، ولا ننتظر أن يشرعها المجلس الذي سيأتي فيما بعد لأننا لن ننتظر ممن سيأتون في الانتخابات القادمة أن يشرعوا لتحجيم دور المال، لأن المال يكون قد لعب دورًا كبيرًا في انتخابهم. لذا يجب أن تظهر هذه التشريعات في الدستور الآن.

وهنا قالت شهرزاد "أنا لا أحب أن أتكلم في السياسة، ولكني لا أريد أن أرى في مصر ما يحدث في أمريكا"، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري.

www.Anawanahnoo.blogspot.com

هناك 4 تعليقات:

  1. دكتورة سهير

    تحية وسلام.. شكرا على إرسالك هده المقالة التي تعرفت من خلالها على شخصك الكريم وإهتمامك بأحوال مصرنا المحبوبة. أرجو لك كل التوفيق فى مهمتك الجليلة، مع تمنياتي لك بالسعادة دائما.
    نبيل عبد الملك

    ردحذف
  2. دكتورة سهير

    تحية وسلام.. شكرا على إرسالك هده المقالة التي تعرفت من خلالها على شخصك الكريم وإهتمامك بأحوال مصرنا المحبوبة. أرجو لك كل التوفيق فى مهمتك الجليلة، مع تمنياتي لك بالسعادة دائما.
    نبيل عبد الملك

    ردحذف
  3. Egypt is not ready yet to draft a new constitution
    By:
    lotfy Basta MD
    The recent discussions about the first two Articles of the old Egyptian constitution (that existed since 1971), to make them subject to special review by Islamic leaders or by Al-Azhar tell me one thing. Egypt is not ready yet to draft a new civic constitution and that many of its citizens do not appreciate the purpose of having one. I say: what we need now is a “Bill of Rights” that ensures justice and equality for ALL citizens and the independence of the Egyptian legal system. Until other necessary changes are enacted or allowed to evolve, let us function under the amended past constitution, as defective as it is.
    Constitutions are road maps for the future. If they are allowed to be tampered with by special interest groups they can produce an array of ineffective laws. Democracy is a way of thinking and acting, and not just an exercise of voting at the ballot box. All citizens must have the same rights and duties under the law. If we allow the various laws to be subjected to the interpretation by an individual, group or an Institution, the law loses its effectiveness and becomes a tool to be manipulated and not a standard to conform to and obey.
    Writing of appropriate laws requires trust in our scholars and takes the formation of functioning political parties and civic Institutions. Above all, it is built on proper education and the dissemination of information. In a country in which a large proportion of women are totally illiterate (in one reliable estimate it is 42%) and, according to a recent international poll, a good proportion of citizens get their information from either a religious leader in a house of worship or from El-Gazeera Television station how can we entrust those citizens to come up with a functional constitution. Even among those declared to be literate, many may be taught to pass the exams in certain subjects. These are not educated which requires one to read various books about philosophy and ethics, and to be open minded about what is happening in the world. Many in Egypt are taught and never educated. Yes, Egypt is blessed by scholars living inside and outside the country, but these are the exception; they provide a treasure that, when used properly, can provide guidance to where we should land. These scholars are the ones who should be charged to write the “Bill of Rights” that applies to every Egyptian citizen.
    Constitutions have shaped the future of various countries. So we have to ask ourselves: what kind of country we want Egypt to become in the future? We must answer this question honestly. If we want to go back to the past; when religion ruled, then we have to say so. In that case we have to live in tents and ride camels while we refrain from living in modern houses, use smart phones, drive cars, ride airplanes and communicate via the internet and social media. In that case everyone will know what we want. If we desire to join modern nations, we must follow the rule of law, secure justice and equality for all, enhance the safety of air water, promote tourism and foreign investments while we declare that religion is only between us and our God and should have nothing to do with politics.
    This issue is in our hands. It is up to us to shape it. However, this requires honesty on our part. Masquerading behind certain contrived slogans will not help. We have to declare what we want to become honestly, frankly and openly. To keep tinkering with the constitution in the name of piety is a game that is proven counter-productive, ineffective and can be deceitful. Some of those who espouse these additions could be well meaning (albeit brain-washed), but the majority of them are no doubt opportunistic, phony and represent hypocrisy at its worst.

    ردحذف
  4. الرأى طبعا ممتاز و جديد بس الحلول المقدمة من حضرتك و التى أؤيدها يجب ان تتسم بشىء من تفاصيل آليات التنفيذ خاصة فيما يتعلق ب منع الدعاية الانتخابية عن طريق الوسائل المكتوبة، والمسموعة، والمرئية - الموضوع حيلاقى حرب شعواء لأن سلاح الكثير هو السكر و الزيت و الإعلانات.
    حزب الأغلبية فى البرلمان المصرى تموله جمعية أهلية غير مسجلة حتى يومنا هذا للهروب من طائلة المراقبة المالية على مصادر الأموال المرعبة

    أرجوكى استمرى فى الكتابة و التواصل فلفكار جديدة و يمكن أن تصل لتوصيات طيبة

    تحياتى
    مصطفى حافظ

    ردحذف

المتابعون