الخميس، 29 نوفمبر 2012

الانتجراطية، التكامل أو الاتساق الداخلي


عزيزي الشاب، 

لقد تعرفت على الأمانة وعرفت أنها في علاقة الفرد بشيء في حوزته ولكنه لا يملكه، وتتطلب الأمانة أن يعرف الفرد حدوده ويتحكم في نفسه، فيعرف أن ليس كل شيء في حوزته هو مالك له، وفي فكرة الأمانة هناك سمو، وتواضع من الفرد الذي لا يملك شيئًا أمام خالقه الذي يملك الكون. وصفة الأمانة صفة يفهمها ويقدرها الشرقيون للروحانية التي يتميزون بها.

في الثقافات الغربية هناك تأكيد على صفة أخرى سأسميها الانتجراطية، وهي
ترجمة للكلمة الانجليزية integrity التي تستمد من الكلمة اللاتينيةintegritas وأيضًا من الكلمة الانجليزية integers التي تعني الأرقام الصحيحة، وتعني الانتجراطية أن يكون الفرد صحيح، متكامل، نزيه، يظهر ما يبطن، غير منافق، عنده اتساق داخلي، لا يتلون حسب الظروف والمواقف، ويستطيع أن يجرد نظرته للأمور من المؤثرات المحيطة ويسمو فوق الترابطات القبلية، فإذا أحسن عدوه قال أنه قد احسن، وإذا أخطأ صديقه قال أنه قد أخطأ. وعندما يقال أن هذا الرجل يتمتع بالانتجراطية أو he is a man of integrity فهذا أفضل وسام شرف يستطيع أن يناله. 

وتُعرف الانتجراطية العلاقة بين قيم الفرد وأعماله في مجتمعه تجاه الآخرين وتجاه نفسه، فالفرد الذي يتمتع بالانتجراطية يعمل بناء على قيم أخذها من دينه، أو ثقافته، أو عائلته، أو قانون بلده، وتبناها وجعلها قيمه هو، فهو يعمل بها لأنها قيمه هو، وليس لأنه يطيع قيم خارجية. هي قيم بداخله، هي جزء منه، فهو وقيمه واحد، وقيمه لا تتغير تبع الظروف، فهي ثابتة وقوية.

من يتمتع بالانتجراطية عندما يقود سيارته الساعة الرابعة صباحًا ولا أحد ولا شرطي في الطريق، سيقف عند الإشارة الحمراء، ولن يتحرك قبل أن يتحول الضوء إلى اللون الأخضر، لأنه قد هضم قانون الوقوف عند الإشارة الحمراء، وأصبح قانونه هو، فهو يقف لقانونه هو وليس لوجود شرطي المرور، وهذا ما نراه في البلاد المتقدمة، شرقًا كانت أو غربًا، الكل يتصرف بانتجراطية، كذلك، في العمل سيتصرف المرئوس في غياب رئيسه تمامًا كما يتصرف في وجوده، لأن قيمه تنبع من انتجراطيته. والعامل ذو الانتجراطية سيقيم عمله بنفس القيمة للزبون متوسط الدخل مثلما يقيمه للزبون فاحش الثراء. لن يقول: "هو غني ويستطيع أن يدفع"، فهو يحاسب على عمله وعمله ثابت، ولا يحاسب حسب ثراء الزبون فهذا شيء متغير.

تفكر في ما جاء أعلاه: ما هي شروط الانتجراطية؟

- أولاً أن يعي الفرد نفسه، لا يتصرف بتلقائية الغريزة، بل يتفكر فيما يعمل،

- ثانيًا أن يكون صادقًا مع نفسه، محترمًا لها،

- ثالثَا أن يكون قد اكتسب حسًا أخلاقيًا من دينه، أو من القوانين المختلفة التي تسيره، ويكون قد هضم ما اكتسب وامتلكه،

- ورابعًا أن يتمتع بشجاعة تساعده أن يعمل بناءًا على القيم التي اكتسبها، ولا يحود عنها.

هل فهمت لماذا تعتبر الانتجراطية من اسمى الصفات، وأنه عندما يقال "فلان عنده إنتجراطية" تصبح وسام قيم على صدره، وعكس ذلك، عندما يُكتشف أن فرد قد تصرف دون انتجراطية يصبح ذلك عار كبير؟

فكر.

كيف تتكون الانتجراطية منذ الصغر؟

قارن بين الانتجراطية والقبلية في مفعولهما على المجتمع؟

ما هي الظروف التي تساعد على تربية الانتجراطية، والتي تنتقص منها؟

قص قصة شخصية تعاملت فيها بانتجراطية.

وهنا سكتت شهرزاد عن الكلام المباح.

د/سهير الدفراوي المصري

هناك تعليقان (2):

  1. مدونة جميلة اوى
    والأسئلة اسفل المدونة اجمل ، وفعلاً الواحد لازم يفكر ازاى نربى فى أولادنا حاجة احنا لم نتربى عليها، بمعنى آخر انها غير منتشرة فى ثقافة مجتمعنا، ياريت فعلاً نلاقى حل عبقرى للمشكلة دى؟

    انا فكرت فى ان حضرتك يا دكتورة سهير تحاولى تعملى حوارات او ندوات فى اماكن مختلفة فى مصر، عشان الناس محتاجة تاخد بالها من الافكار اللى زى دى.

    وعلى فكرة أنا نفس الشخص اللى بيرد على اغلب المدونات المتعلقة بالموضوعات الدينية ( آخرها موضوع المطلق وغير المطلق)، يعنى لما يكون فى موضوع او مدونة جميلة زى دى ،هاقول انها جميلة ولازن ندور على فكرة لنشر الثقافات الجيدة اللى زى دى

    شكراً

    ردحذف
  2. شكرًا السيد "غير معروف"

    فعلاً، هناك كثير من مهارات الحياة والأخلاقيات التي لم نتربى عليها، ونحتاج أن نتعلمها ونعلمها لأولادنا، وهذا ما تقدمه مؤسستنا، مؤسسة الثقافة والتعليم للطفل والعائلة في برنامج "أنا ونحن" الذي نقدمه في المدارس ومراكز الشباب في عشر محافظات، وبرنامج "أنا ونحن الشباب" الذي أحضره الآن لنقدمه في نصف السنة الدراسية الثاني.

    لقد شجعتني أن أقدم مواضيع أخرى من "أنا ونحن الشباب" في المدونة، فشكرًا.

    د.سهير الدفراوي المصري

    ردحذف

المتابعون