الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

في النجاح والحياة: -2- إذا أعطاك الحظ ليمونة، فاعمل ليموناتة

هذا مثل أمريكي مشهور يعني إذا أعطاك القدر هدية صعبة وحامضة مثل الليمونة، فتقبلها وتفنن واعمل منها شيئًا لذيذًا مثل الليموناتة.
لماذا أقدم هذا المثل؟
لأن الأسبوع الماضي ذهبت لأقص شعري عند سيدة ألمانية متزوجة من شاب مصري، وهي تعيش في مصر منذ عشرات السنين، وتحب مصر والمصريين، وزوجها الذي درس في ألمانيا، يُدرّس الآن اللغة الألمانية للطلبة المصريين. سألتها كيف كانت إجازتها الصيفية؟ فقالت أنها ذهبت لزيارة أهلها في ألمانيا، ثم عرجت على بلد صغير في الجنوب كان زوجها قد أتى إليه مع مجموعة من طلبة المدارس الثانوية القومية الذين يدرسون اللغة الألمانية، ليمرنهم على الحديث بالألمانية.
اشتكى المدرس لزوجته من الطلاب وبالأخص من الطالبات، فهن يجلسن واضعات أيديهن على خدودهن، ولا يردن الاندماج في أي نشاط جماعي: "تعالوا نركب دراجات ونتجول في الحقول؟" "لا"، "تعالوا نمارس التجديف بالقارب في القناة ونذهب إلى مناطق جديدة؟" "لا"، وعندما يوافقن على اقتراح ما، يكون بتضرر
.
تعجب المدرس "فهؤلاء الطالبات، متفوقات في اللغة الألمانية، لذا إختارهن المعهد الألماني، ولكن مما لا شك فيه أن هناك عدم توافق بين تطلعاتهن وتطلعات المعهد: فالمعهد إختارهن حتى يتميزن نطقًا في اللغة الألمانية بعد أن تميزن كتابة فيها، ولكن الطالبات إعتقدن أنهن ذاهبات في رحلة ترفيهية أو سياحية، وعندما إكتشفن الخطأ في تطلعاتهن أظهرن خيبة أملهن بطريقة سلبية.
هل هذا تصرف يتسم بالذكاء العاطفي؟ طبعًا لا، فمن يتمتع بالذكاء العاطفي يعرف كيف يتحكم في عواطفه، ويعرف كيف يتأقلم مع الظروف فيسخرها لمصلحته بدلاً من أن يجعلها تتحكم فيه. ونحن نعرف أن الذكاء العاطفي أكثر أهمية من الدرجات المدرسية في نجاحنا في الحياة. وهذا ما أثبتته الأبحاث.
وقال المدرس لزوجته، سأطلب من المعهد ألا نكتفي السنة القادمة باختيار الطلبة بناءً على درجاتهم، بل نُقيّم أيضًا مدى قابليتهم للتأقلم، أي نقيم ذكائهم العاطفي، فنعرف إلى أي حد إذا أعطاهم الحظ ليمونة سيعرفون كيف يعملوا منها ليموناتة.
تفكرتُ في هذا الحادث:
كثيرًا ما نجد في سلتنا ليمونًا بدل ما نجد تفاحًا أو مانجو على سبيل المثال. فماذا تجدنا نعمل؟ ماذا تعمل أنت إذا لم تُختر للكلية أو الوظيفة أو الفرصة التي كنت تضع أملاً كبيرًا عليها؟ هل تعمل مثل الطالبات اللآتي وضعن أيديهن على خدودهن ولم يعملن شيئًا؟ هل تقول هذا أمر الله، أتقبله ولا أعمل شيئًا؟ أو تعمل شيئًا متضررًا؟ أو تشتكي وتقلب الدنيا غضبًا على من حاربك أي من أعطاك الليمونة؟ أو، أو؟...!!
هناك ردود فعل مختلفة، قد يفيدنا التفكر فيها.
أولاً، أحب أن أؤكد على ما نقوله دائمًا في برنامج "أنا ونحن"، وهو أن من قواعدنا ألا نتكلم في الدين أو في السياسة، فهناك متخصصين يستطيعون أن يتكلموا في هذه المواضيع أفضل منّا. نحن نقصر اهتمامنا على الفرد وعلى علاقته بمجتمعه.
ثانيًا، لقد تعلمنا القرائة الإيجابية، حيث نتواصل مع ما نقرأ، ونتفاعل معه، ونسأل الأسئلة الكثيرة، فتعالوا نقرأ قصة هؤلاء الطالبات بطريقة إيجابية، ونتفكر، ونتصور كيف يكون حالهن عندما إكتشفن الخطأ في تطلعاتهن، وماذا كان سيحدث إذا لم تظهرن خيبة أملهن بهذه الطريقة السلبية؟
ربما إذا كانت الطالبات قد تقبلن خيبة الأمل بروح طيبة وأعطين المدرس فكرة حسنة عنهن لكان هذا تحفيزًا له أن يكتب لهن خطابات مؤازرة تساعدهن في الالتحاق في الجامعات الألمانية. ألم يرد هذا الفكر على أذهانهن؟ ولماذا لم يرد؟ هل لأنهن كسالى لا يفكرن في تفرعات أي موضوع حتى لو كان يتصل بمستقبلهن؟ هل لأن الخيال ينقصهن فلم يستطيعوا أن يروا الصلة بين تصرفاتهن في الرحلة ومستقبلهن؟ هل لأن موضوع المستقبل لا يهمهن؟
هذه أسئلة كان من واجب الطالبات أن يتمعن في التفكير فيها. ومن المؤكد أنك تستطيع أن تسأل أسئلة كثيرة أخرى، ولكن ما تستخلصه من هذه القصة البسيطة هو القناعة بأن النجاح يأتي عندما تعرف كيف تجد فائدة فيما هو في متناول يدك، حتى ولو لم تكن فائدته واضحة، فتذكر عندما تجد في سلتك ليمونة أن تقول لنفسك "هي فعلاً ليمونة، واستطيع أن أحزن لكونها ليمونة، ولكن بذكائي وعملي أستطيع أن أعمل منها ليموناتة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون