الخميس، 8 ديسمبر 2011

د/مهاتير محمد والطريق إلى الأمام



أقرأ الآن كتابا لدكتور مهاتير محمد اسمه The Way Forward أو الطريق إلى الأمام. ولمن لا يعرف ذلك أحب أن أوضح أن د/مهاتير محمد يكتب كثيرًا، ويفتخر بما أنجزه في ماليزيا من تقدم اقتصادي، فيقص على القارئ بطريقة سهلة ومسلية ماذا كانت أهدافه، وكيف وضع استراتيجية للوصول إليها، والصعاب التي قابلته والتي لم يتغلب عليها، وكيف تغلب على الصعاب الأخرى. وهذا الكتاب لا يسرد فقط إنجازات مهاتير محمد الذي تولى الوزارة في سنة 1981، ولكنه يبدأ بسرد تاريخ ماليزيا قبل استقلالها سنة 1957.
من ناحية أخرى، أنا أحب هذا النوع من القراءات لأني أتعلم من تجارب الآخرين وأشعر أن من واجبي عندما أكتشف هذا النوع من الكتابات أن أنقلها إلى أكبر عدد من القراء لنفهمها ونحللها فتكون وسيلة لإثراء معرفتنا جميعًا، مع ملاحظة أنني لا أركز فقط على الناحية الاقتصادية، ولكن أهتم أكثر بالناحية السياسية والثقافية، فتعالوا نقدم الموضوع.


في الحرب العالمية الثانية دخل اليابانيون إلى ما يسمى الآن ماليزيا التي كانت مستعمرة بريطانية، وبعد انهزام اليابان، تركها اليابانيون ورجع إليها مرة أخرى المستعمر البريطاني. وفي الفترة ما بين نزوح اليابانيين ورجوع البريطانيين، حاول الصينيون الماليزيون الشيوعيون الاستيلاء على البلاد في حرب عصابات في الشمال. تغلب البريطانيون عليهم وطلبوا منهم تسليم أسلحتهم، ولكنهم لم يسلموها كلها، واختبأ الشيوعيون غير الشرعيين في أدغال ماليزيا، وتمركز إخوانهم الصينيون المتعاطفون معهم، تمركزوا في الجمعيات الصينية الماليزية وفي نقابات العمال. فكان هناك احتقان وكراهية بين الماليزيين الأصليين والصينيين الماليزيين.
ماليزيا تختلف عن معظم بلاد العالم في أنها مجزأة إلى جزءين يفصلهما بحر الصين الجنوبي، فهي تبدو وكأنها بَلدان. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية كان 60% من سكانها من الماليزيين الأصليين المسلمين، أو البوميبترا، وكان 30% تقريبا صينيين و10% هنودا.
كان المسلمون فقراء، غير متعلمين، يعيشون في الريف، وقد وصفهم د/مهاتير بالكسالى مما أغضبهم، وكانوا لا يتملكون أكثر من 3% من الاقتصاد، ويعملون في الزراعة أو في الجيش أو الشرطة أو كانوا موظفي حكومة. أما الصينيون والهنود فكانوا متعلمين، وأغنياء، ويعملون في التجارة، ويمتلكون مع رجال الأعمال الأجانب معظم ثروة البلاد.
لم يكن المستعمر البريطاني يريد أن يترك ماليزيا ولمح في أكثر من مناسبة إلى أن شعبها لن يستطيع أن يحكم نفسه لأن البلد منقسم إلى شطرين ولأن الشعب غير متجانس، واشترط لكي يحصل البلد على استقلاله أن يقوم بانتخابات نزيهة تمثل فيها كل الأجناس. وزاد المستعمر البريطاني الطين بلة عندما أعطى الجنسية الماليزية للصينيين والهنود، وسمح لهم أن يحتفظوا بجنسيتهم الأولى!
أغضبت هذه القرارات البوميبترا لأن الصينيين الشيوعيين كانوا يحاربون الماليزيين في حرب العصابات في الشمال، ويقتلونهم، فكيف يعطي المستعمر إخوانهم الجنسية ويسمح لهم أن يحتفظوا بالجنسيتين؟
لذا كوّن البوميبترا حزب PMIP وهو حزب إسلامي يريد ماليزيا إسلامية للماليزيين، ولكن معظم الماليزيين انضموا إلى حزب UMNO حزب الماليزيين المسلمين الذين تقبلوا الوضع الحالي، أي تقبلوا أن تكون ماليزيا لكل من فيها، وتحالف UMNO مع حزب الصينيين الماليزيين MCA ومع حزب الهنود الماليزيين MIC.
واكتسح UMNO مع حليفيه انتخابات 1955 حيث حصل على 51 من 52 مقعدا في البرلمان، بينما حصل PMIPعلى مقعد واحد، وعند تقسيم المقاعد كان UMNO سخيًا مع حليفيه. وذهب وفد يرأسه رئيس الوزراء عبد الرزاق إلى لندن للتفاوض على الاستقلال وحصلت ماليزيا على استقلالها.
بعد الاستقلال استمر الحزب الحاكم في سياسة التواصل مع الأقليات، ومنح الجنسية الماليزية لمليون صيني وهندي، فكان هذا عملاً في غاية السخاء لأنه في هذا الوقت لم يكن سكان ماليزيا يزيدون على خمسة ملايين.
بدأت المشاكل تظهر.
كان من المفروض إيجاد حل لمشكلة عدم تجانس الماليزيين وتقسيمهم بين فقير وثري، ومتعلم وأمي، وبوميبترا وصيني وهندي، ومسلم، وبوذي وكونفوشيوسي، والبلد المقسم إلى قسمين يفصلهما بحر كبير.
أجمعت الحكومة على أن الفرق في الدين والجنس، وتقسيم البلد، هذه فروقات يجب تقبلها، ولكن الفرق بين الفقر والثراء والتعليم والأمية، هذه فروقات كان يجب أن تتغير، وبدأت بإعطاء توكيلات بيع السجائر (أكشاك السجائر) للبوميبترا ليرتفع دخلهم بعض الشيء، ولكن الصينيين قاطعوا الشراء منهم.
وفي الوقت نفسه زاد غضب شباب البوميبترا لأنهم كانوا يرون أنفسهم عاجزين وفقراء مقارنة بالصينيين والأجانب ويرون الصينيين يرفضون تعليم أولادهم في المدارس الماليزية ويرسلون أطفالهم إلى المدارس الإنجليزية الجيدة، ولا يتكلمون اللغة الماليزية، وكل لافتات المتاجر باللغة الصينية. فكان هناك احتقان وتقاتل.
ومن ناحية أخرى كان هناك غضب عند الصينيين الماليزيين الذين تعودوا أن يكونوا دائمًا في المقدمة، فكانوا مستائين من تفضيل الحكومة للبوميبترا ومساعدتها لهم، وفي انتخابات 1969 قامر الصينيون بالعلاقة الطيبة التي كانت تجمعهم في التحالف مع UMNO وانتخب كثير منهم مرشحي الـ PMIP ! لماذا انتخب الصينيون منافسي حليفهم ؟ هل كانوا يعتقدون أنهم سوف يستطيعون إنجاح الـ PMIP؟ لا، كانوا يعرفون أن حليفهم الـ UMNOأقوى بكثير من الـ PMIP ولن يخسر أمامه، ولكنهم كانوا يريدون إضعافه لكي لا يتمادي في مساعدة البوميبترا! وفعلاً خسر التحالف بعض المحافظات، ولكنه لم يخسر كليًا.
هنا كان السؤال: لماذا لا يترك الـ UMNOتحالفه مع الأقليات الصينية والهندية ويتحالف مع الـ PMIP؟ فهو بوميبترا مثله ومسلم مثله، والبوميبترا يكونون الجيش والشرطة وموظفي الحكومة فيستطيع بسهولة أن يهمش الأقليات. ولكن الـ UMNO تراجع عن هذا الفكر، بل على عكس ذلك تمادى في سياسته، فزاد من إعطاء الجنسية للصينيين، وساعد هذا على تباعد الصينيين الماليزيين عن إخوانهم الصينيين الشيوعيين وأصبحوا أكثر انتماءً لماليزيا، وبدأ UMNO العمل بسياسة اقتصادية جديدة تسمى الـNEP هدفها أن تزيد في بحر عشرين سنة حصة البوميبترا من مجموع الاقتصاد من 2.4% إلى 30% وحصة الصينيين في الاقتصاد من 34.3% إلى 40%، أي أن السياسة لم تكن تسعى أن ترتفع بالبوميبترا على حساب الصينيين. وفي فترة الـNEP من 1970 إلى 1990 كافحت الحكومة فقر البوميبترا بقوة أكثر من قبل، حيث لم تكتف بأكشاك السجائر بل أعطت الأولوية في المناقصات الكبيرة وفي الأعمال الاقتصادية للبوميبترا وبدأ العمل بسياسة تعليم جديدة للبوميبترا، وبعثت منهم البعثات إلى أفضل جامعات العالم.
كذلك، عملت الحكومة على تغيير عوامل من ثقافة الشعب: مثلاً الادخار، وإدارة الأعمال، والإدارة المالية والعمل الجاد، والمبادرة، والتخلص من الكسل، وكرست أعدادًا كبيرة من التدريبات، والمعسكرات لرؤساء الهيئات والمصالح الحكومية، لغرس هذا الفكر وهذه الثقافة في الشعب، وأعرف أن مؤسسة فورد الأمريكية ساهمت بالكثير في هذا العمل عن طريق الجمعيات الأهلية. وعملت الحكومة بحرفية عالية على أن يحتفظ الشعب بالعوامل المميزة في ثقافته مثل تماسك الأسرة، فلم تكن تريد أن تضحي بها في سبيل التقدم.
كانت النتيجة أن نما اقتصاد ماليزيا، وداوم على النمو منذ سنة 1970 بمعدل 7% سنويًا، وغابت البطالة والفقر، ونقص التفاوت الاقتصادي بين البوميبترا والصينيين، وأصبح الصينيون يعملون في شركات البوميبترا، والبوميبترا يعملون في شركات الصينيين، وأصبحت ماليزيا بلدًا ديمقراطيًا، مستقرًا، متجانسًا، به نسبة عالية من الرخاء الذي لا يتمركز في فئة أو في جنس.
لا يصح أن ننهي هذا الكلام دون أن نتساءل ونتفكر في ثلاثة مواضيع أثارها هذا الكلام، ونحاول أن نتعلم منها لأن مصر على شفا تغيير وقد تفيدها دراسة التجارب الناجحة:
- أولاً، لماذا لم يلتف الشعب حول الـPMIP والتف حول الـUMNO؟ كيف استطاع الـUMNO أن يوصل إلى شعبه أهمية تماسك الوطن، وتمسك بوحدته مع الصينيين ليس فقط حتى يحصل على الاستقلال، ولكن أيضًا عندما خانه الصينيون في انتخابات 1969؟
- ثانيًا، كثير من القرارات الصائبة التي ساعدت على نمو ماليزيا سبقت وصول مهاتير محمد إلى السلطة سنة 1981، لذا يصح لنا أن نتساءل: إلى أي مدى يعد تقدم ماليزيا هو نتيجة الوقت والزمان، وليس فقط إنتاج مهاتير محمد؟
- ثالثًا، التغيير الثقافي عامل مهم جدًا يستحق أن نتمعن فيه.
وهنا كفت شهرزاد عن الكلام.
د/سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون