الخميس، 16 ديسمبر 2010

لماذا تتقدم بعض البلاد، ولا تتقدم بلاد أخرى مماثلة؟ العوامل الاجتماعية (4)

في المقالات السابقة قدمنا أفكار د/هاريسون وجروندونا في العوامل الثقافية التي تهيئ أو تناهض تنمية المجتمع، وهي تنقسم إلى 4 مجموعات:
- عوامل إجتماعية،
- وطبائع إقتصادية،
- وأخلاقيات،
- ونظرة المجتمع إلى العالم الخارجي.
وبدأنا بالعوامل الاجتماعية:
- فأكدنا أن سيادة القانون من أهم الأسباب الاجتماعية التي تساعد على تنمية المجتمع،
- كذلك، الثقة بين أفراد المجتمع المختلفين،
- وعدم إنغلاق العائلات على نفسها،
- وعرضنا أهمية تواجد الرأسمال الاجتماعي في المجتمع، وفيما يلي سنقدم الباقة الأخيرة من العوامل الاجتماعية التي تؤثر على تنمية المجتمع.

- لاحظ الكثيرون أن تعليم المرأة من العوامل التي تساعد على تنمية المجتمع، فالأم المتعلمة تقوم بدور مهم في تربية النشئ لذا أكدت الكثير من المبادرات التنموية على محو أمية البنات. وإذا قارنا اليابان ببلاد أخرى سنجد أن في عام 1905 كانت 90% من الفتيات اليابانيات متعلمات، بعكس بعض البلاد العربية حيث نجد الآن، في القرن الواحد وعشرين، أن أكثر من 50% من الفتيات غير متعلمات.
- وكثرة عدد الأفراد في الأسرة الواحدة من العوامل التي تناهض تقدم المجتمع، فمن الملاحظ أن المجتمعات الريفية الفقيرة تداوم على التكاثر رغم فقرها، وهي تتكاثر لأنها تعتبر الأولاد قوى عاملة تساعد العائلة، وضمان اجتماعي للأهل عندما يتقدموا في السن. ولكن تكاثر الأطفال يناهض تقدم العائلة فتبقى فقيرة، ، ولا يتقدم مجتمعها.
- ولاحظ د/هاريسون أن من مواصفات المجتمعات المهيئة للتنمية أنها لا تتمادى في الفردية وأيضًا لا تتمادى في الجماعية أو القبلية. ونحن نعرف أن القبلية تنتشر في الصعيد المصري وفي كثير من البلاد العربية. وفي القبلية (أو الجماعية عامةً) هناك تأكيد على المجموع على حساب الفرد، ويعمل الأفراد حساب لقبيلتهم، فيتمتعون بأخلاق متينة، ولأنهم يشعرون أن القبيلة (أو الجماعة) تساندهم فيخلق هذا عندهم مستوى عال من الثقة بالنفس وبمن معهم. ولكن مقابل ذلك، تقتل الجماعية في الفرد مبادرته الفردية، وكذلك إحساسه بالمسئولية الفردية، فتجد أفراد القبيلة مقصرين في الصفات الفردية مثل التفنن، والابتكار، ومبادرة العمل، لذا كان تأخر المجتمعات الجماعية في التنمية. وبما أن الديمقراطية ترتكز على الحرية الشخصية، فالقبلية تناهض الديمقراطية الحقيقية، ومثال لذلك في المناطق التي تنتشر فيها القبلية لا ينتخب الناخب نتيجة لرأيه الحر، ولكن نتيجة لرأي قبيلته أو جماعته.
لقد وصفنا المثل الأخلاقي للجماعية وهي القبيلة التي تساند أفرادها، وهم يتمتعون بهذه المساندة والثقة، وفي مقابل ذلك، يبتعدون عن الأعمال التي قد تضر بمقامهم أو بمقام قبيلتهم، لأن عندهم إحساس بالمسئولية تجاه جماعتهم. وهذا شيء نسبيًا جيد إذا كانت الجماعة تنتهج منهجًا أخلاقيًا، ولكن ماذا إذا لم تنتهجه؟ ماذا إذا انتهجت منهجًا إجراميًا؟ فالمافيا هي أيضًا مثال للجماعية، وتساند أفرادها إلخ.. وحتى إذا لم تنتهج الجماعة منهجًا إجراميًا متطرفًا مثل حال المافيا، ففي الجماعية عامة هناك تفويض من الفرد للمجموع، إمضاء على بياض من الفرد للمجموع، قد لا يصل إلى درجة إجرام المافيا، ولكنه قد يتطلب بعض التنازلات، وبعضها أخلاقي، ومثال ذلك "أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب" فهنا المطلوب مني أن أساند أخي أو ابن عمي ليس لأنه على حق، ولكن فقط لأنه أخي أو ابن عمي، فينتج عن هذا إهدار لسيادة القانون. وعامةً، فالقبلية لا تساعد على التنمية.
- عامل ثقافي آخر مهم لتنمية المجتمع هو نظرة أفراد المجتمع للسلطة الدينية التي تحكمهم، فعلى سبيل المثال الديانة الكاثوليكية لا تشجع الثراء المادي، بل تعتبره عقبة في طريق خلاص الفرد، وهذا بعكس الديانة البروتستانتية التي تعتبر الثراء المادي دليل على رضى الخالق على الإنسان، ولذلك، فالبروتستانتية تهيئ للتنمية بعكس الكاثوليكية. والإسلام يشبه في ذلك البروتستانتية لأنه يعتبر المال زينة الحياة الدنيا. والسؤال الذي يأتي إلى ذهننا هو "لماذا إذا لا ينمو العالم الإسلامي؟" والإجابة على هذا السؤال أن العالم الإسلامي في عصوره الأولى كان يهيئ للتنمية، وفعلاً إزدهرت المجتمعات الإسلامية، ولكن على مر العصور في كثير من البلاد الإسلامية تداخلت عوامل ثقافية أخرى كونت عقبة في طريق تقدم هذه المجتمعات، ولكي تتقدم هذه المجتمعات الإسلامية الآن عليها أن تكتشف العوامل الثقافية التي تناهض التنمية فيها، وتعمل على التخلص منها.
- كذلك، لاحظ لورنس هاريسون أن كثيرًا ما تكون العلاقة بين الطبقة العليا أو الخاصة والطبقات الأقل منها عاملاً مهمًا من عوامل تنمية المجتمع، ففي تاريخ اليابان والسويد كان رؤساء الورش الفنية يحتضنون بطريقة أبوية الشباب الذين يعملون عندهم، ويعلموهم بجانب العمل الفني الأخلاقيات أي يورثوهم ثقافة المجتمع، وساعد هذا على أن يبقى المجتمع متواصل ثقافيًا، أما الآن فنرى إنفصام ثقافي بين الطبقة العليا وما دونها.
- والعامل الثقافي الأخير المهيئ للتنمية الذي لاحظه د/هاريسون هو فصل الدين عن السياسة، فالبلاد التي تفصل الدين عن السياسة تتقدم، وليس معنى ذلك أن يخرج الدين من حياة الأفراد فالدين يقدم أخلاقيات مهمة للتنمية، ولكن معناه هو أن إدارة الدولة تكون منفصلة عن إدارة الدين.
هنا توقفت شهرزاد عن الكلام، ثم قالت "للكلام بقية".
د/سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون