الاثنين، 6 يونيو 2011

لقد فاز ميكي مارتللي !!!

هل يعرف أحد من هو ميكي مارتللي، وما ذا فاز به؟
 ميكي مارتللي موسيقي من جمهورية هايتي يقدم نوع موسيقى يسمى كومباس، وهو نوع من موسيقى الكريول، أو موسيقى سلالة الأفريقيين السود الذين أحضروا إلى أمريكا كعبيد منذ مئات السنين، ويعيشون الآن في جزر أمريكا مثل هايتي.
 وتصف وسائل الإعلام تاريخ ميكي مارتللي أنه "colorful" وربما هذه طريقة مؤدبة لوصف تاريخ رجل لم يستطع في شبابه أن يكمل أي دراسة بدأها بعد الدراسة الثانوية، علم نفسه البيانو "سماعي"، عاش حياة بوهيمية يقدم مويسقاه في البارات بطريقة بورلسكية مع مجموعة صغيرة من الموسيقيين الذين يلبسون الشعر المستعار، ويقومون بتصرفات غير عادية كأن يخلعوا ملابسهم وهم يقدمون موسيقاهم، يسخرون من المجتمع الهايتي بما فيه من سياسة وسياسيين، ومن هنا دخل ميكي مارتللي إلى السياسة!!
 حب الشباب الهايتي ميكي مارتللي، وأعطوه إسم "Sweet Mickey" وحبه أيضًا كثير من البلطجية، فكان هناك

الكثير من أعمال البلطجة في الانتخابات الرئاسية وانتخب ميكي مارتللي رئيسًا لجمهورية هايتي!! 
 من كان ينافسه؟ زوجة رئيس هايتى السابق وهي تحمل درجة الدكتوراة ومتخصصة في القانون الدستوري!!
 ماذا نستنتج من ذلك؟ وكيف نرجعه لحالتنا حاليًا أو مستقبلاً في مصر؟
 أرجو الرجوع إلى بعض مدوناتنا السابقة: لقد تكلمنا عن جمهورية هايتي وأن شعبها مقارنة بالشعوب المجاورة، فقير، قليل التعليم، وأن ديانته، الفودو، لا تشجع على المسئولية الفردية، وهذه كلها عوامل لا تساعد على تقدمه، واختيار ميكي مارتللي ربما يعتبر دليل آخر على تخبط جمهورية هايتي في طريق تقدمها.
 وفي مدونة أخرى، تكلمنا عن الدانمرك وكيف أن الدانمركيين متقدمون في التعليم، وأن سنة 2001 كان ثلثي أعضاء البرلمان الدانمركي من التربويين، أو من من كانوا تربويين، وهذه النتيجة تدل على أن الشعب الدانمركي يختار ممثليه بناء على الكفاءة وليس بناء على المال (فالتربويون لا يمتازون بالمال)، وهذا يختلف عما نراه في الولايات المتحدة حيث لا يتقدم للإنتخاب إلا من كان ثريًا أو من يستطيع أن يجمع التبرعات المالية الضخمة. 
 وفي مدونتنا أرجعنا فكرة الإنتخاب في الدانمرك بناء على الكفاءة وليس بناءً على المال إلى أن الشعب الدانمركي عالي التعليم وليس عنده نسبة بطالة عالية تجعله يمضي وقتًا طويلاً أمام التلفزيون، وأن الإعلام غير متغول في حياته اليومية، فمحطات التلفزيون الدانمركية لا تزيد عن ثلاث، والإرسال ينقطع في منتصف الليل، وكل من يشترى جهاز تلفزيون يدفع له رخصة سنوية توازي 2000جنيهًا، وإذا أراد مشاهدة محطات أخرى فعليه أن يدفع رخصة أغلى. وعدم تغول الإعلام في الحياة اليومية الدانمركية ساعد الشعب الدانمركي على أن يحافظ على فكره وقراره من شوشرة الإعلام، فاصبح يختار من يمثلوه بناءً على قدراتهم ومنفعتهم للبلد (التربويين) وليس بناء على إمتلاكهم للمال (الأغنياء ورجال الأعمال) أو شهرتهم. 
 وقد رأينا كذلك أن التلفزيون وعمومًا الإعلام المرئي يؤثر على المشاهد أكثر من الإعلام المكتوب، وهذا ما قاله خبراء مثل ماريانو جروندونا. وأكد ذلك خبير التلفزيون موريس شونفلد الذي اقترح على البلاد النامية التي تستشيره أن تحتفظ الدولة بالقنوات التلفزيونية لمدة 20 سنة، وألا تسمح بقنوات تجارية لأن القنوات التجارية تجري وراء المال، ولا يهمها الحفاظ على ثقافة المجتمع، فتقدم البرامج الهابطة التي قد تعجب الناس، وتأتي بالربح عليها فتضيع ثقافة المجتمع، وعندما لا يكون الشعب عالي التعليم، وتكون نسبة البطالة فيه ملموسة، ويبقى بالساعات يشاهد برامج التلفزيون، كما هو الحال في هايتر وفي مصر، ينتج عن ذلك أن يميل الشعب إلى الخلط بين مفهوم الشهرة ومفهوم الكفاءة. وإذا كانت الشهرة مسنودة بالمال (وياحبذا لو اشترى المال البلطجية) فتستطيع أن تقدم الشهرة نفسها للمشاهد على أنها تتمتع بالكفاءة!! وتنجح في ذلك.
 وهذا ما حدث مع ميكي مارتللي.
 فهل هذا لا يحدث في الولايات المتحدة؟
 نعم يحدث، فقد إنتخب الشعب الأمريكي رونلد ريجان رئيسًا له، وأيضًا إنتخب شعب ولاية كاليفورنيا أرنولد شوارتزنجر محافظًا له، وهما ممثلان سينما، ولم يختارالأمريكيون الخبراء أو الأكفاء. والمعروف أن الإعلام الأمريكي متغول، وأن الشعب الأمريكي يتأثر كثيرًا بالإعلام، ويعطي أهمية للمظاهر، لدرجة أن الرئيس جورج بوش الأب إختار دان كويل كنائبًا له لأنه "حليوة"، وكان من الممكن إذا مات بوش أن تكون أهم صفة لرئيس الولايات المتحدة الجديد أنه "حليوة".
 ولكن لا ننسى أن قبال ذلك في الولايات المتحدة هناك مؤسسات تساند مركز الرئاسة، فحتى إذا لم يكن الرئيس في غاية الكفائة فهناك من يسانده. هذه المؤسسات الكفء غير متواجدة في بلاد مثل هايتي. 
 وماذا عن مصر؟
 أخاف على مصر. 
 لقد شاهدت على التلفزيون لاعب كرة قديم يفتخر أنه قد عرض عليه أن يرشح نفسه في إنتخابات مجلس الشعب، وقد رأينا في الماضي مغنية مشهورة تسببت في تغيير الدستور. ونعرف أن نسبة الأمية عالية في مصر، كذلك البطالة، وآلاف الشباب يجلسون على المقاهي يشاهدون التلفزيون بالساعات، وأخواتهم في المنزل أيضًا تشاهدن التلفزيون بالساعات. 
 ونحن نرى أن مصر تسير في طريق أمريكا حيث ينتخب من عنده المال، وليس من عنده الكفاءة، ولأننا لم نكون بعد المؤسسات الكفء (كل وزير جديد يهد ما بني قبله، ويبني من جديد)، ولم نكون القوانين الصارمة التي تساند الديمقراطية فهناك استعمال خاطئ للديمقراطية يستحوذ فيه الإعلام والمال على نصيب الأسد، وقد سمعنا عن انتخابات كلفت المرشح عشرات الملايين الجنيهات، وعندما تكون البطالة عالية والتعليم رديء كما هو الحال في هايتي وربما في مصر، فيكون هناك خلط ما بين شهرة المرشح وكفائته، فينتخب من عنده الشهرة والمال وليس الكفاءة. 
 لذا أخاف على مصر، وأتمنى أن ننتبه لخطر الإعلام والمال وقلة المؤسسات.
 وهنا، توقفت شهرزاد عن الكلام، وقالت "للكلام بقية".

د/ سهير الدفراوي المصري

هناك تعليقان (2):

المتابعون