الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

في النجاح والحياة: -1- إختر ما لا تستطيع أن تغيره

جائت صديقتى الشابة غاضبة. لقد أعلنت الجامعة عن فتح الباب لمائة طالب لدراسات تؤدي إلى درجة الماجستير، وأعلنت أن اختيار الطلبة سيكون عن طريق المقابلة الشخصية. وبما أن عدد المتقدمين كان ألف، فقد قسمتهم الجامعة إلى 100 مجموعة، كل مجموعة من 10 متقدمين، يدخلون معًا إلى لجنة المقابلة الشخصية، وتطرح عليهم الأسئلة، وتتناقش معهم، وتختار أحدهم.
ودخلت صديقتي مع مجموعتها، وكانت نجمة المجموعة، فهي ذكية، وتعرف مواد دراستها خير معرفة، وكانت من أوائل دفعتها، وعندها ثقة بنفسها، فكانت تجيب على الأسئلة أفضل من أي من المتقدمين الآخرين، ولم أستغرب أن تكون نجمة المجموعة، ولكن في نهاية المقابلة الشخصية أظهر الممتحن اهتمامًا بمتقدم آخر لم يكن على القدر الكافي من البراعة التي أظهرتها تلك الطالبة ليتم اختياره، وسأله عن اسمه الثلاثي، ليتأكد من شخصه، فكان من الواضح أن هناك وساطة في عملية الاختيار، وأنه هو الذي سيُسمح له أن يدرس لدرجة الماجستير، فغضبت صديقتي
.
سنتكلم في مكان آخر عن الضرر الذي يلحق بالبلد الذي تشيع فيه ثقافة الواسطة (التوصية)، ولكننا هنا في موضوع غضب صديقتي.
لقد عودتها الحياة المدرسية أن العمل الجيد يكافأ بقدر جودته، كلما ذاكرت بجهد وأمانة حصلت على درجات عالية، .هكذا تعودت طيلة حياتها في المدرسة وفي الجامعة، ولكنها الآن بعد أن تخرجت وانخرطت في حياة العمل تجد أن العلاقة بين الاجتهاد والنجاح ليست بسيطة ومباشرة، وتجد عوامل كثيرة تتدخل في معادلة النجاح، فأوائل الدفعة لم يحصلوا على أفضل الوظائف، وهي الآن تتأكد من الدور السيء للوساطة، وهي في غضبها على حق.
حاولت أن أخفف عنها فسألتها مازحة "يعني أنت محبطة؟" قالت "لا، أنا لا أحبط بسهولة. الإحباط ضعف ولا يؤدي إلى نتيجة. لقد قررت منذ سنين عدة ألا أجعل الاحباط في قاموسي الخاص ولا أجعله يعرف طريقه إلى نفسي، ولكني الآن غاضبة، شديدة الغضب."
سألتها وقد تحول حديثي إلى لهجة جادة "ماذا تنوي أن تعملي؟" قالت "لقد فكرت أن أشتكي، ولكن سيكون من المستحيل أن أثبت أنني كنت أفضل من أجاب على الأسئلة، أي أنني كنت أفضل المتقدمين في هذه المجموعة".
فقلت لها "يعني وصلت إلى قناعة أنك لا تستطيعي أن تغيري النتيجة إذا كانت في غير صالحك؟"
فوافقت.
قلت لها "لماذا إذا لا تختاري النتيجة؟"
استغربت سؤالي وقالت "ماذا تعني؟ أتريدينني أن أتقبل الغلط؟ أتريدينني أن أكون سلبية؟ إنك لم تعلمينا ذلك؟ لقد علمتينا أن نكون دائمًا إيجابيين، وألا نوافق على الشيء الخاطئ، فكيف تطلبي مني أن أتقبله الآن؟"
قلت لها "هناك فرق شاسع بين أن تتقبلي النتيجة، وأن تختاريها. أن تتقبليها هو أن تقولي لنفسك "هذا حظي فليس عندي واسطة، وليس لي إلا أن أتقبل هذا الوضع" التقبل هو نتيجة الإحساس بالضعف أمام لاعب أكبر منك، وليس أمامك إلا إختيار واحد هو التقبل، وهذا التقبل ينتهي بك إلى الإحساس بمزيد من الضعف وبالإحباط، ويهدر طاقتك، فالتقبل مضر لك.
أما الاختيار ياصديقتي، فهو أن تقولي لنفسك "أصبحت الوساطة متفشية في بلدنا، وهذا الشاب عنده وساطة، وقد يعني هذا أنني لن يتم اختياري لدراسة الماجستير، مع أنني أعرف أنني الأفضل. لقد أغضبتني هذه النتيجة، وعندي اختيار إما تقبل النتيجة، أو الاسترسال في الغضب وما ينتج عنه من شكوى وتصعيد، وأنا أستطيع أن أسترسل في الغضب، ولكني قررت أن هذا الغضب غير مفيد لي، وهو اهدار لطاقتي، وقررت تقبل النتيجة غير مضطرة، وبمحض إرادتي، وسأحول طاقتي من الغضب لما قد يفيدني. وليس معنى إختياري لهذه النتيجة أنها الحق، ولكني أخترتها بمحض إرادتي لأحرر طاقتي المهدرة في الغضب."
شرط الاختيار أن يكون عندنا أكثر من ردة فعل نستطيع أن نختار منها (مثالاً أن نستمر في الغضب، أو أن نقبل النتيجة)، لذا عندما نختار، نكون في مركز قوة، لأننا أحرار، نستطيع أن نغضب (وهذا مهم جدًا أن نستطيع أن نغضب)، ولكننا نختار ألا نغضب، أما عندما نتقبل فنحن في موقف ضعف، لا نستطيع إلا أن نقبل النتيجة الوحيدة، فنحن لا نستطيع أن نغضب، وربما لا نعرف كيف نغضب.
الآن، فكري يا صديقتي، لماذا كنت تريدين الماجستير؟"
وبعد قليل جائتني لتقول "لقد اخترت النتيجة، وهدأ غضبي، وقررت أن أدرس اللغة الانجليزية بدلاً من الماجستير، فهي ستفيدني أكثر، وهذا ما أريده، فعلاً"، قلت لها "عندما اخترت ما لا تستطيعي أن تغيريه، حررت طاقتك، واستطعتي أن توجهيها لما هو فيه فائدة أكثر لكي، ولكن كان الشرط أن تستطيعي أن تغضبي، وأن تختاري غير الغضب"
هذا الحوار ذكرني بالذبابة التي تقف على زجاج الشباك المقفل، تحاول مرارًا، وتكرارًا أن تخترق الزجاج، فلا تستطيع. ليس عندها الذكاء الذي يعرفها أنها لن تستطيع أن تخترق الزجاج، ولو عرفت أن عندها أكثر من إختيار: إما أن تبقى أمام الزجاج تحاول اختراقه، أو أن تترك الزجاج وتتجول في الحجرة، وإذا اختارت أن تتجول في الحجرة لاكتشفت طريقة أخرى للخروج منها غير اختراق الزجاج.
لماذا أسرد هذه القصة؟
لتكون تأكيدًا قويًا لنا أن نكون إيجابيين في حياتنا. حتى عندما تصادفنا الظروف القاهرة، التي لا نستطيع تغييرها، لا يجب أن نستسلم لها بسلبية، بل نختارها بإيجابية، وقد يخيل لنا أن ليس هناك فرق بين الاستسلام والاختيار، فالنتيجة واحدة في الحالتين، وهي أن نقبل الظرف القاهر، ولكن في الحقيقة هناك فرق شاسع بين الحالتين، فعندما نستسلم للظرف القاهر، ونقول "كبر دماغك" أو يا شيخ فوت" أو"معلهش"، لا يكون عندنا غير اختيارًا واحدًا هو الاستسلام، وهذا يولد عندنا سلبية واحباط، أما عندما نختار الظرف القاهر بمحض إرادتنا، فهذا نتيجة أن عندنا إختيارات أخرى، كأن نستطيع أن نغضب وأن نشتكي وأن نصعد الأمر، أي أننا في مركز قوة، ونتصرف بإيجابية، ويولد هذا فينا حالة من الانتعاش ويساعدنا أن نرى حلولاً أخرى لمشكلتنا، ولكن الشرط الأساسي أن نستطيع أن نغضب، وأن نعرف كيف نغضب، وأن نعرف كيف نتحكم في غضبنا، لكي نعرف كيف نستخلص فائدة من غضبنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون