الاثنين، 23 أبريل 2012

علم النفس والإعلام والعلاقات العامة -3


في المدونتين الماضيتين قدمنا موضوع شركات العلاقات العامة الأمريكية العملاقة، وعلاقتها بالسلطة والإعلام، وشرحنا أنها تستمد قوتها من صلتها الحميمة مع مراكز القوى في الكونجرس وفي الحكومة وفي الإعلام، ومن موظفيها وهم في الأكثر إما خريجو الكونجرس والجيش والحكومات السابقة، أو يحملون درجات الدكتوراة في علم النفس، ويتفنون في كيفية التأثير على المشاهد أو القارئ وجعله يفكر ويسير في الطريق الذي ترسمه له شركات العلاقات العامة.

وقصصنا قصة تحرير الكويت والدور المحوري الذي قامت به شركات العلاقات العامة تحت ريادة أكبر شركة علاقات عامة، هل ونولطن، وهي قصة كلاسيكية نقصها لأنها تظهر بوضوح الدور الذي تقوم به هذه الشركات، والانتهاكات التي تقوم بها، واستغلالها لعلاقتها مع مراكز القوى في الحكومة. فكما رأينا قد تغاضت وزارة العدل عن جعل هل ونولطن تسجل نفسها كوكيل لأجنبي.

وعرضنا العلاقة المعقدة بين شركات العلاقات العامة والإعلام. فالإعلام يتقرب من شركات العلاقات العامة لسلطتها ولكونها قريبة من مراكز القوى، وفي تحرير الكويت استغلت هذه الشركات الشعب الأمريكي وضحكت عليه، وأيضًا استغلت الإعلام أسوأ استغلال.

في هذه المدونة نقص قصة شركة مايكروسوفت، وكيف حاربت قانون عدم الاحتكار بمساعدة شركة علاقات عامة، فنعرف القصة من الكتاب التالي لشلدون رامبتون وجون ستوبر:

Trust us We're Experts by Sheldon Rampton and John Stauber

قدم المؤلفان المعلومات في كتابهما كما كشفتها التحقيقات الصحفية المختلفة التي جمعوها، ولكننا هنا للحفاظ على الوقت نلخص المعلومات ونقدم الحقائق فقط دون أن نظهر كيف توصلت التحقيقات إلى هذه الحقائق، وكيف شبكها المؤلفان لتظهر الصورة كاملة.

في إبريل 1998 بدأت وزارة العدل الأمريكية تضيق الخناق على شركة مايكروسوفت بخصوص مكافحة الاحتكار. لجأت ميكروسوفت إلى شركة: Edelman Public Relations Worldwide، إيدلمان، لتساعدها.

قدمت إيدلمان، وهي من أكبر شركات العلاقات العامة في العالم، مشروع علاقات عامة ووقع المشروع في يد المحققين الصحفيين! كان المشروع مكونا من حملة إعلامية هائلة تتمركز في 11 ولاية يعرف إيدلمان أن قانون منع الاحتكار فيها ضعيف ومن الممكن أن يتأثر بحملة إعلامية هائلة.

اختار إيدلمان شركات مندوبة له في الإحدى عشرة ولاية، وكل شركة أعطت للكتبة نقاطا يستعملونها في كتابة خطابات للصحف يهاجمون فيها قوانين عدم الاحتكار، فانهالت الخطابات على الصحف في هذه الولايات الإحدى عشرة.

بعض الاقتصاديين لا يوافقون على فكرة محاربة الاحتكار. فبحث إيدلمان عن هؤلاء الاقتصاديين ووجد بعضهم في المعهد الحر The Independent Institute في ولاية كاليفورنيا. أدخل إيدلمان شركة مايكروسوفت عضوة في المعهد وبدلا من أن تساهم بألف دولار مثل باقي الأعضاء كانت تساهم بالملايين، فساهمت في طباعة كتاب يدافع عن فكرة عدم محاربة الاحتكار ألفه اثنان من باحثي المعهد:

Winners, Losers and Microsoft: Competition and Antitrust in High Technology by Stan Liebowitz and Stephen Margolis.

وبمساعدة من إيدلمان استعرضت صحيفة الوول ستريت جورنال، ومجلة الإيكونومست الكتاب مظهرين إياه ككتاب يجب أن يقرأه كل من يهتم بموضوع عدم الاحتكار!! فكان هذا أفضل دعاية للكتاب ولقضية مايكروسوفت.

وأيضًا، بمساعدة من إيدلمان، وبأموال مايكروسوفت نشر المعهد الحر في صحيفتي الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز خطابًا مفتوحًا للرئيس كلينتون، وعليه إمضاء 240 اقتصاديا ممن لا يوافقون على فكرة محاربة الاحتكار، وكان الخطاب مذيلا بمذكرة تشير إلى كتاب المعهد الحر الذي يشير إلى مايكروسوفت.

عندما نُشر الخطاب المفتوح، نفت شركة مايكروسوفت علاقتها بالمعهد الحر والأموال التي صرفتها عليه، لكن دأب الصحفيون المتخصصون في التحقيقات على التحقيق في العلاقة حتى ظهرت الحقيقة وظهر دور إيدلمان في تنسيق هذه الحملة الإعلامية.

بعدما ظهر دور شركة العلاقات العامة في العمل على تغيير الرأي العام بطرق غير أخلاقية سأل الصحفيون رؤساء شركات العلاقات العامة عن رأيهم فيما قام به إيدلمان، فكان رد أغلبهم أن هذا التصرف هو التصرف الطبيعي الذي يقومون به جميعًا، وأن غلطة إيدلمان أنه ترك شيئًا مكتوبًا (المشروع) فكشف كيف يعمل، وساعد الآخرين أن يتوصلوا إليه!

لماذا نهتم بقصة مايكروسوفت، ومن قبلها بقصة تحرير الكويت وماذا نستنتج من هذه القصص؟

صحيح أننا لم نستطع أن نعثر على دليل بوجود شركات علاقات عامة قوية ومهيمنة مثل الشركات المماثلة في الولايات المتحدة. ذلك، لأن هذه الشركات تتقاضى أتعابًا أكثر مما تستطيع أن تدفعه كثير من الشركات المصرية، إلا أنه مما لا شك فيه أن هذه الشركات متواجدة في مصر، وتعمل، وعملهام واضح في بعض المجالات. فعندما نرى عملاً منسقًا، يهدف لهدف واحد، ويأتي السعي إلى هذا الهدف من جهات مختلفة نعرف أننا نتعامل مع منتج من شركات العلاقات العامة. ذلك، لأن هذه الشركات تقوم بالمهام الصعبة التي تتطلب منها أن تسبح ضد التيار، وأحيانًا ضد مصلحة المجموع أو البلد (حرب الكويت والاحتكار لم يكونا في مصلحة أمريكا) لذلك، تعمل على تنسيق أعمال مختلفة، أحيانًا غير أخلاقية تأتي بها من جهات مختلفة حتى تضمن أن تصل إلى هدفها صعب المنال.

على سبيل المثال، عندما ننظر إلى كيف كُسرت ثورة 25 يناير نتأكد أنها عمل شركات علاقات عامة: فقد خلقت هذه الشركات المجهولة فكرة "حزب الكنبة" الذي تكون من لا شيء ولا توجد شخصيات متصلة به، فهو مثل التجمعات التي ألفتها شركة هل ونولطن لحملة تحرير الكويت، ومن ناحية ثانية سهلت ظهور قنوات تلفزيونية تخلصت من المذيعين المؤيدين للثورة، ومن ناحية ثالثة أهانت شباب الثورة بإحالتهم إلى محاكم عسكرية، وفي المظاهرات، ومن ناحية رابعة شجعت الإضرابات الفئوية لتعم الفوضى، ومن ناحية خامسة لم تتحكم في الأمن ليغضب الشعب من الثورة.

فيجب أولا، أن نهتم بشركات العلاقات العامة المهيمنة، القوية لأنها وصلت إلى أبوابنا.

ثانيًا، يجب أن نهتم بها لأنها عامل مساعد للفساد، فهي تهدف لتغييرات صعبة المنال، وتستعمل طرقًا تكون أحيانًا غير قانونية كأن تتغاضى وزارة العدل الأمريكية عن تسجيل هل ونواطن نفسها كوكيل لهيئة أجنبية، كذلك، قصة نيرة كانت خدعة من طرف شركة العلاقات العامة، ووجود مراكز قوى تساند هذه الشركات تجعلها تتمادى في الفساد والفساد هو أكثر عدو للبلاد النامية، وجوده منع وسيمنع نمو مصر.

ثالثًا، يجب أن نهتم بشركات العلاقات العامة ونستعد لها بقوانين تحاسبها على مصدر أموالها وأين تصرف هذه الأموال، فالآن ليس عندنا الأدوات لمراقبة ما تقوم به هذه الشركات.

رابعًا، يجب أن نهتم بشركات العلاقات العامة ونستعد لها بجمعيات أهلية تعمل كلاب حراسة قوية لمصلحة الوطن، ونسهل عمل هذه الجمعيات بدل أن نصعبه كما تحاول أن تعمله الحكومة الآن.

وهنا قالت شهرزاد "لقد أنهيت موضوعًا مهمًا وصعبًا، ومواضيعنا كثيرة" وسكتت عن الكلام المباح.

د/سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون