الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

المصري الخفي


قرأت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 19 اكتوبر 2012 حوارًا مع الدكتور سمير رضوان وزير المالية الأسبق يتكلم فيه عن فكرة تطوير منطقة قناة السويس فيقول "الفكرة جاءت بعد زيارتي لسنغافورة وهونج كونج وهي مساحات صغيرة ومع ذلك بها أشهر 100 بنك عالمي وأهم 100 شركة تأمين وشحن في العالم فعدت إلى مصر وأنا حزين بشدة لأن الله أنعم علينا بقناة السويس ورضينا لأنفسنا أن نقوم بدور الكمساري، وأضاف ساخرًا: وكأننا نوقف السفينة ونقول تذاكر، تذاكر".

توقفت وتفكرت فيما قرأت.

هل كنت يا دكتور رضوان تحتاج أن تسافر إلى سنغافورة وهونج كونج لتعرف أننا لا نستفيد من مواردنا الطبيعية أحسن استفادة؟ أنا، بخلفيتي التي تبعد كل البعد عن الاقتصاد ولم أزر هذه البلاد أعرف ذلك، بل أقول اننا قد أهدرنا مواردنا الطبييعية، وأولها المواطن المصري. وحتى بعد أن زرت يا دكتور رضوان هذه البلاد لم تسأل نفسك الأسئلة المهمة وهي: "لماذا نرضى لأنفسنا بدور الكمساري، ولم نتعد هذا الدور؟ هل المشكلة هي فقط التمويل وستحل عندما نأخذ المليارات من قطر أو من غيرها؟ وماذا فعلت البلاد التي قامت من غفوتها وتقدمت؟ ماذا فعل مهاتير محمد وحزبه في ماليزيا؟ وماذا فعل لي كوان يو في سنغافورة؟ وماذا فعلت قطر بمليارات بيع الغاز؟ ومن قبلها ماذا فعلت اليابان عندما قررت أن تخرج من حالة التأخر وتلحق بالغرب في تقدمه؟"

يجب أن نتأكد أن كل بلد تقدم أعطى أهمية كبيرة للتقدم بالعامل الإنساني فيه.

هذه حقيقة في غاية الأهمية ويجب أن نعيها جيدًا، وعندنا من الامثلة ما يكفينا ويفيض.

إذا تفكرنا في اليابان سنجد أنها لا يمتلك نفطًا، أو فحمًا أو موادًا معدنية، وليست لديها آثار تاريخية عظيمة أو شواطئ تجذب السائحين، ولكن رأس مالها هو الفرد الياباني بثقافته، وطباعه، وأفكاره، وبالتالي بإنتاجه، وبأنه يدخر، ولا يهدر ماله في المظاهر الفارغة، ويهتم بالتعليم كل الاهتمام، وعنده مثل عليا يسمو إليها، ويقدس العمل، ويتمتع بعوامل ثقافية أخرى. والسؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا هو كيف تكوَّن هذا الفرد الياباني؟

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما هدف اليابانيون إلى الحداثة، هدفوا إليها بطريقة منهجية ومكثفة، فطوروا التعليم العام للبنين والبنات، وأرسلوا البعثات للدراسة في الخارج في المؤسسات الصناعية وفي غيرها. ولكنهم في الأصل كانوا على استعداد للحداثة لأن الأمية في اليابان كانت منخفضة، وقيمهم الأسرية كانت قوية، وأسرهم كانت مترابطة، وأخلاقياتهم في العمل كانت عالية، وكانوا يتمتعون بضبط النفس، وبإحساسهم بقيمة ذاتهم. كل هذه العوامل في ثقافتهم كانت مهمة لمساعدتهم على التقدم.

من ناحية أخرى لم تكن اليابان قد تعافت بعد من نظام الشغونات الذي قسمها إلى إقطاعيات لا تدين بكثير من الولاء للإمبراطور، وفي هذه الشغونات كان الفلاحون يكونون الطبقة السفلى من المجتمع الذي كان طبقيًا، وكانوا يحتاجون لتأهيل حضاري. فماذا عمل المسؤولون عن حداثة اليابان؟ عملوا من ثلاثة أوجه: من ناحية التعليم فأصبح هدف التعليم العام ليس فقط نشر المعرفة، لكن أيضًا غرس الانضباط، والطاعة، والالتزام بالمواعيد، واحترام الامبراطور أي غرس ثقافة مجتمع تؤهله للتقدم. ومن ناحية الجيش عمل نظام التجنيد على خلق مواطن جديد، فعمل على محو النظام الطبقي في المجتمع وعمل على تأهيل حضاريًا الفلاح الفقير الأمي وغرس فيه حب الوطن والولاء له، ومرنه على الحرف. ومن ناحية الورش الفنية عمل نظام الورش على غرس الأخلاقيات بجانب غرس العمل الفني أي عمل على توريث ثقافة المجتمع، وساعد هذا على أن يبقى المجتمع متواصل ثقافيًا. لمزيد من المعلومات أشجعكم على الرجوع إلى مدونة "لماذا تتقدم بعض البلاد، ولا تتقدم بلاد أخرى مماثلة؟ اليابان، حالة خاصة".

أما عن ماليزيا فقد قصصنا في مدونات سابقة كيف أن مهاتير محمد أظهر شجاعة ولم يخف من مواجهة أوجه قصور شعبه فوصف شعبه بالكسول، وعملت حكومته على تغيير عوامل من ثقافة الشعب مثل الكسل، وعدم الادخار، أو التعليم، أو عدم الإلمام بإدارة الأعمال، والإدارة المالية، وكرست أعدادًا كبيرة من التدريبات، والمعسكرات لرؤساء الهيئات والمصالح الحكومية، لغرس العمل الجاد، والمبادرة، وغرس هذا الفكر وهذه الثقافة في الشعب. كذلك أقامت معسكرات للشباب من سن العشرين إلى أربعين سنة، يتعلمون فيها حرفًا من أخصائيين، ولكن أهم من الحرف كان هدف المعسكرات تغيير ثقافة العمل عندهم. وعملت الحكومة بحرفية عالية على أن يحتفظ الشعب بالعوامل المميزة في ثقافته مثل تماسك الأسرة، فلم تكن تريد أن تضحي بها في سبيل التقدم. وبعثت الحكومة ببعثات إلى أفضل جامعات العالم، فاستطاعت أن ترتفع بنوعية الشعب الماليزي الأصلي وتؤهله للتقدم الاقتصادي.

وإذا تصفحنا تاريخ سنغافورة وتأثير لي كوان يو عليها نرى أنه في حكمه الطويل عمل اولاً على اكساب شعبه صفة الادخار لأن شعبه الذي كان يتكون بنسبة عالية من الماليزيين لم يكن يهتم بالادخار فعمل على أن من يتقاضى 1000 دولار يدخر إجباريًا 200 دولارً منها، ويضع صاحب العمل 200 دولارً أخرى إدخارًا له، كذلك، عملت الحكومة على أن يكون هناك نظام تأمين صحي إجباري للكل، ولكنه ليس مجانيًا، ويعمل بنظام كوبونات معدودة لكل فرد حتى لا يستغل النظام، وشجعت الشعب أن يمتلك مكان سكنه فبنت العمائر السكنية وباعتها بالتقسيط المريح، كذلك، شجعت الأهل المسنين أن يسكنوا قريبًا من أبنائهم ليساعدوا في تربية الأحفاد، وليعتني الأبناء بأبائهم في الكبر. ولأن المجتمع منقسم عرقيًا إلى ماليزيين وصينيين وهنود فقد عملت الحكومة على ألا ينقسم في الطبيعة فشجعت الأقليات أن تسكن في مناطق الأكثريات، وشيدت المراكز الاجتماعية التي يجتمع فيها سكان المنطقة السكنية الواحدة، وعملت على أن يعمل سكان المنطقة لإدارة مرافق مجتمعهم، فبذلك هدفت إلى تكوين أكثر اتصالات ممكنة بين أعضاء كل مجتمع.

وإذا نظرنا إلى قطر فقد عملت بهمة في أن تكون منارة للتعليم فبدأت منذ حوالي 15 سنة في تكوين مدينة التعليم التي تحتوي على فروع من الجامعات العالمية مثل كارنيجي ميلون ونورث وسترن وكورنل، وجامعة لندن، وقدمت القناة التلفزيونية، الجزيرة إلخ.

ماذا عن مصر واهتمامها بالإنسان المصري؟

وهنا قالت شهرزاد "هذا حديث له شجون فالمصري هو الرجل الخفي، the invisible man، في معادلة التقدم، وكأن التقدم يستطيع أن يسير دون أن نعطيه اهتمامًا، ولكن للكلام بقية"، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري

www.anawanahnoo.blogspot.com

هناك تعليقان (2):

  1. جميل أوى الكلام ده
    لكن السؤال الذى يطرح نفسه متى نستفيد من هذا فعلياً، وأنا أطلب منك يا دكتورة أن تبدأى الخطوة الأولى فى التغيير، ولا تقفى موقف السلبية مع الآخرين، أو تقولى ليس بيدى حيلة فأنا أكتب وفقط، إذا تصورت أن دورك كمصرية توقف عند الكتابة فقط إذا لا بأس أن يكون كل المصرين المثقفين وغيرهم سلبيين

    ردحذف
  2. د/ سهير الدفراوى
    تعجبنى غالبية مقالاتك لأنها دائماً ما تمس جراح هذا البلد وما نشعر به ولكن فى مقالة المصرى الخفى لا أستطيع أن أعلق بكتابة شىء ولكن كل ما أستطيعه هو أن أتنهد وأدعو للجميع أن يفيق من غفوته.
    د/راندة شاهين

    ردحذف

المتابعون