الأربعاء، 11 يوليو 2012

عادل إمام والتنمية


في أوائل عام 1994 بعد الكثير من المفاوضات مع أماكن العرض الفني المهمة في مدينة شيكاغو وافق مركز شيكاغو الثقافي Chicago Cultural Center المرموق أن نعرض فيه المعرض التشكيلي للفنانات العربيات Forces of Change Women Artists of the Arab World وهو المعرض الذي كان قد أنهى شهرين من العرض في مدينة واشنطن في الـ Women's Museum، وكنا نعده للعرض في أي مدينة كبيرة في الولايات المتحدة.

وقفت في حفل لكبار رجال أعمال مدينة شيكاغو وأعلنت عن مجيء معرض الفنانات العربيات، وفي دقائق كنت محاطة بنصف دستة سيدات يهوديات يقترحن علي أن أجعله معرض سيدات الشرق الأوسط بدلاً من السيدات العربيات، وأن يجمع فن الفنانات الإسرائيليات مع الفنانات العربيات، وأنهن يستطعن المساعدة في عرضه بتكاليف بسيطة في متحف سبرتس Museum Spertus، وهو متحف الفن اليهودي في شيكاغو، ولكني اعتذرت بلباقة قائلة: "هذه المرة سنقدم فن الفنانات العربيات والمرة القادمة إن شاء الله نقدم فن فنانات الشرق الأوسط"، لأنني كنت أعرف أن الفن دلالة الإنسانية والتحضر وكانت هذه فرصتنا أن نقدم فيها لسكان مدينة شيكاغو دليل إنسانية وتحضر العرب.

ونحن كنشطاء عرب في المهجر كنا على دراية بدور الفن في إظهار الناحية الإنسانية للشعوب، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يتفنن، وتسعى كل الشعوب أن تظهر صفاتها الإنسانية، وتظهر أنها تقدر الجمال والفن، لأنه إذا أظهر شعب أنه غير قادر على تقدير الفن فسيُنظر إليه كناقص إنسانية، وسيستطيع أعداؤه أن يسيئوا معاملته دون أن يحتج العالم المتحضر على هذه المعاملة لأن العالم المتحضر سيراه أقل من إنسان، أو "ليس منّا"، فلا يطبق عليه قوانين معاملة الإنسان.

لذا أتعجب أن المسلمين أنفسهم وليس أعداؤهم هم من يظهرون المسلمين وكأنهم أقل إنسانية من الشعوب الأخرى، فأتعجب للحرب على الفن التي تقوم بها الجهات الإسلامية المختلفة، بدءًا من طالبان الذين نسفوا تمثال بوذا في أفغانستان، إلى السلفيون الذي غطوا تمثالاً فنيًا في الاسكندرية، إلى الحكم بالسجن على عادل إمام بتهمة إزدراء الأديان في فنه.

أبدأ أولاً بالاعتراف أنني لا استلطف عادل إمام، فأنا لا أكتب دفاعًا عنه شخصيًا. وأيضًا لا أكتب دفاعًا عن مبدأ حرية التعبير في الفن مع أنني من أنصار مبدأ حرية التعبير في الفن، لأن من ينسف تمثالاً أثريًا، أو يغطي تمثالاً فنيًا لن يفهم مبدأ حرية التعبير.

أكتب لأنه لا يجب أن نُخضع الفن للقوانين العادية. الفن، والجمال والدين هم نتيجة قدرتنا على التفكر، ودليل إنسانيتنا، ولكل منهم مملكته وقوانينه: عندما ننظر إلى لوحة فنية من عصر النهضة الأوروبية تظهر فيها نساء عاريات، أو ننظر إلى تمثال لميكل أنجلو يظهر رجلاً عاريًا نحن لا ننظر إلى هذه اللوحات أو هذا التمثال كعمل إباحي، وكأنه صورة في مجلة إباحية، بل إنسانيتنا تساعدنا أن نتجاوز هذه النظرة السطحية وننظر إلى ما تعبر عنه هذه الأعمال من فن. بإنسانيتنا نستطيع أن نغوص في معنى ما نراه لأننا نستطيع أن نتفكر، أن نرى الفن والجمال والدين والروحانية، ونتأثر بها.

وبالمناسبة فإن القدرة على الغوص في الأشياء والتفكر فيها هي صفة إنسانية تكتسب بالتمرين، مثلها مثل صفاتنا الإنسانية الأخرى مثل التفكر في الجمال، وفي الروحانية والدين.

أما إذا أصررنا ألا نرى في هذه الأعمال غير صورتها السطحية من نساء عاريات، أو رجل عار، أو نعتبر الفنان الذي يستهزئ بتصرفات مسلمين أنه يستهزئ بالإسلام، فلا نلوم إلا أنفسنا إذا اعتبرنا العالم المتحضر "لسنا منه"، وأقصينا منه ودفعنا ثمن هذا الإقصاء.

فما أكتب عنه اليوم هو حرية التعبير، ولكن ليس كمبدأ يجب الدفاع عنه، بل كمقدرة من مصلحتنا التنموية أن نحافظ عليها حتى لا نُنفى خارج المجموعة الإنسانية فندفع ثمن هذا الإقصاء. فمصلحتنا التنموية كعضو فعال في المجتمع العالمي، وليس كعضو ناشز فيه أن نحافظ على حرية التعبير، وعلى صفاتنا الإنسانية من تفكر وما ينتج عنها من تقدير للجمال، والفن، والروحانية والدين.

وهنا قالت شهرزاد: "لا ننسى صفاتنا الانسانية"، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري.

هناك 3 تعليقات:

  1. سيدتى الكاتبة
    بعد التحية:
    أريد أن أبدى رأيى المتواضع في ما كتبتيه بدأ من الفقرة الثالثة وأقول

    أنتِ تقولين (نحن كنشطاء عرب فى المهجر كنا على دراية بدور الفن فى إظهار الناحية الإنسانية للشعوب........)
    وأنا أقول: إذا كان من تصفيهم بالعالم المتحضر يرون أن الشعب الذي لا يقدر الفن [أقل من إنسان - أو ليس منهم] بمعنى أنه لا يطبق عليه قوانين معاملة الإنسان، فإنه يكون عالم غبي ومتعصب ويحصر معنى الإنسانية فى الفن وفقط، وليس فى الاجتماعيات مثلا، أو في الديمقراطية، أو حتى فى الحفاظ على أرواح الأبرياء من الأطفال الذين تراق دماؤهم يومياً

    فكرى جيداً واستيقذى من ثباتك

    وبالنسبة لتمثال بوذا الذى تحزنين من أجله فهو ليس فناً أو قطعة فنية كما تقولين، فقد أقيم هذا التمثال للعبادة، قطعة من الحجارة لتعبد وكأنها إله للكون، وأقول أنه من الواجب أن تحزنى لمقدساتك الإسلامية التى يدمرها اليهود، فهذا المسجد الأقصى مثلاً يتم الحفر من تحته كل يوم ولا تتحرك مشاعرك تجاهه دفاعاً عنه

    أما بالنسبة لـ عادل إمام والحكم عليه بأنه تطاول على الدين فهذا حكم القضاء ويجب أن تحترمى رأي القضاء، وأذكرك لو أنه تحدث عنك فى أحد أفلامه بهذه الطريقة فإنك سوف تقومين بمقاضاته، ولن تقولى أن هذا نوع من أنواع الفن، ولكنك سوف تقولين بأنه يستخدم الفن بطريقة خاطئة ومسيئة لسمعة الفن النظيف.

    وبالنسبة لما تقولينه بأنه لا يجب أن نخضع الفن إلى القوانين العادية، والتى أسميها أنا القوانين الطبيعية أو الفطرية السليمة والقويمة، وهى أن الإنسان الطبيعي يرى مثل هذه الأعمال والتى تسميها فنية والتى تكون إما على شكل تماثيل عارية، أو صور عارية، بأنها تخدش الحياء لمن عنده حياء، وانها تثير الشهوة داخل النفس، وهذا ما يؤكده علماء النفس

    إذا كانت إنسانيتنا تساعدنا على أن نتجاوز هذه النظرة السطحية للفن العارى وتساعدنا على أن نغوص فى معنى ما نراه، فأنا أطلب منك بإسم الإنسانية أن تضعى صورة عارية لإبنتك أو حفيدتك وأعدك بأننى سوف استخدم إنسانيتى لأتفحص دقة وتفاصيل صنع الخالق

    وأخيراً إن كان الفن والجمال فى نظرك هي تلك الدعوة للإباحية بصورة مستترة فأرجو منكى أن لا تضعى إسم الدين (و لا أخص أى ديانة سماوية بعينها) مع الفن والجمال الذي تقصدينه لأنه أشرف من ذلك

    وأنا أعتقد أن إبنتك تؤيدنى فى رأيي ذلك، لأنها لا تريد أن تظهر عارية بإسم الفن، أو على الأقل هى متزوجة وزوجها وأولادها لا يريدون لها ذلك ولا حتى انت

    أفيقى أفيقى أفيقى
    وأرجو أن يتم نشر هذا التعليق دون حذف أية كلمة منه، وإن كان لك رد فسوف استمع إليه..

    ردحذف
  2. سيدي،

    أولاً، شكرًا على إيميلك، ثانيًا، لقد سمحت له أن يُنشر لكي اكتب لك ردي، فأنا اعرفك، أنت من يختبئ ويرسل إيميلات بدون اسم، أنا اعرف انك شاب، ولست شابة، وأنك مسلمًا، ولست مسيحيًا، وأنك تعتبر نفسك ذو خلق طيب ومثل عليا، وتعتبر نفسك متدين، وأنك كنت من المجتهدين في المدرسة.

    اعرف أنني قد اصبت، فسأكمل تحليلي.

    أعرف انك تفرح عندما ينشر لك ما تكتب، وأعرف أيضًا أنك لا تكتب البتة لتوافق أو تهنئ من يكتب على فكره، أنت تكتب دائمًا لتنقد، أنت تكتب من باب الغضب، فالغضب يملؤك.

    أنت تعيس.

    لماذا؟

    لأنك أدخلت يقين الدين في أمور الدنيا.

    دعني أشرح لك ما أعنيه. في الدين هناك أمور يقينة كالشهادة واركان الدين، ولكن في أمور الدنيا هناك فرصة أن تتواجد الأفكار المختلفة مع بعضها، فبدأ من مذاهب الدين إلى الأفكار العلمية هناك تقبل للاختلاف في الدنيا وفي تطبيق الدين.

    ولكن في نظامنا التعليمي نحن نعلم الأطفال عن طريق ملزمات ويحفظ الأطفال الإجابات، فهناك إجابة واحدة لكل سؤال، هي الإجابة التي تظهر في الملزمة أو في الكتاب ويؤكد عليها المدرس. فيتعود الأطفال فكرة أن هناك إجابة واحدة هي الصحيحة، هناك حل واحد لكل مشكلة، لكل شيء، وينتج عن هذا التوحيد الفكري أن يتعود الأطفال ألا يشكون أن هناك إجابات أخرى، فلا يتفكرون في إجابات أخرى، ولا يتفننون، ولا يتقبلون ما هو مختلف عما يعرفون، ولا يتقبلون الآخر.

    وفي هذه الحالة وجود الآخر المختلف عنهم من أفكار إلى أفراد هذا المختلف يملأهم بتعاسة. المشكلة من أصلها أنهم يأتون باليقين الذي نحتفظ به لأصول الدين يأتون به إلى الحياة الدنيا، فهم دائمًا على حق، وعلى الآخر أن يفيق من سباته ليرى الدنيا كما يرونها في صورتها الحقيقية.

    ولن يتغيروا لأنهم لا يستطيعوا أن يقوموا بأول خطوة في التغيير وهي الشك في أنهم على حق.

    لن أطلب منك أن تتفكر، فأنا لست متأكدة أنك فهمت ما كتبت.

    د. سهير الدفراوي المصري

    ردحذف
  3. د.سهير الدفراوى
    اتوجه إليك بالشكر لأنك استقطعت من وقتك لتردى على ما كتبته سالفاً

    ثانياً بالنسبة للتحليل الذي قمتى به لشخصيتى، لو كنت سئلتى عن هويتى لكنت اجبتك بكل سهولة، فأنا أعرف نفسي جيداً أكثر منك، وكنت لأوفر عليك الوقت والجهد.

    ثالثاً حينما تقولين{ لن أطلب منك أن تتفكر، فأنا لست متأكده أنك فهمت ما كتبت}، هل أعتبر هذه إهانه لشخصي؟ أم أأخذ هذا الكلام على الوجه الآخر، وهو أنك لست متأكده مما تكتبين؟

    رابعاً فى قولك{ولن يتغيروا لأنهم لا يستطيعوا أن يقوموا بأول خطوة في التغيير وهي الشك في أنهم على حق} لماذا لا تقومين أنت بالشك في أنك لست على حق الآن؟

    خامساً كنت أنتظر ردك على ما كتبت وليس تحليلك لشخصيتى، أعتقد أننى لست متأكداً من أنك فهمتى ما كتبته سالفاً

    سادساً أنا لست تعيساً أبداً إلا بما قد يكون فيه تهاون باسم الدين، أو محاولة فعل أمور تخالف الدين ونطلب عدم الغضب لذلك.

    سابعاً إن كتبت شيئاً يستحق الشكر فسوف أكون أول من يشكرك.

    ردحذف

المتابعون