الثلاثاء، 12 مارس 2013

حب إيه، روح اتلهي!!


بعدما بدأنا تطبيق جزء "أنا ME"- وهو الجزء الأول من برنامج أنا ونحن- أخذنا مجموعة من أطفال البرنامج تتراوح أعمارهم ما بين 11 و 14 عام إلى معسكر شموسة في مدينة فايد، لمناقشة وتطبيق مفاهيم البرنامج المختلفة حتى تثبت هذه المفاهيم في وعيهم، وهي مفاهيم مثل النظام وأهميته، والهدف، وأهمية أن يكون لكل فرد أهدافًا، منها ما هو هدف طويل المدى، مثل ماذا ينوي كل طفل أن يتخصص فيه في دراسته المستقبلية، ومنها ما هو قصير المدى، مثل ماذا ينوي أن يذاكر اليوم، ومنها ما هو هدفه في العمل ومنها ما هو هدفه الشخصي كأن يتعلم لعب الشطرنج أو أن يحفظ سورة من القرآن، وهكذا.

وفي المعسكر، سألني طفل من أطفال البرنامج يبلغ من العمر 13 عامًا: "يادكتورة سهير، هل أستطيع أن احب؟ والدي يقول لي: "حب إيه، روح اتلهي، من في سنك لا يستطيع أن يحب".

طبعًا، هذا السؤال يدل على أشياء كثيرة، فهو يدل أولاً: على شجاعة الطفل أن يتكلم في موضوع الحب، ثانيًا: هو يدل على أن والد هذا الطفل لا يتواصل معه، بل لا يحترمه لأنه لا يحاول أن يفهمه، أو يتقبل أنه مراهق يمر بفترة تغيير مهمة، وثالثًا: هو يدل على ثقة الطفل أنني سأستمع إليه، وأمله في أن أفيده بإجابة على سؤاله.

كونت إجابتي له بناءً على خبراتي في الحياة وفي تربيتي لأولادي، ولقراءتي لكتاب "فن الحب" للكاتب إيريك فروم،The Art of Loving by Erich Fromm وهو عالم نفس إجتماعي ألماني، له نظرية خاصة في طبيعة الإنسان، ربما أقدم هذه النظرية في مدونة لاحقة.

قلت للطفل: "تستطيع أن تقع في الحب، لأن الوقوع في الحب لا يتطلب أكثر من أن يشعر الشخص بالوحدة أو بالنقص في شيء ما يحتاجه، كأن يحتاج أن يجد من يستمع إليه، أو من يملأ عليه وحدته، أو من يفهمه ويشاركه في الشعور. والوقوع في الحب إلى حد ما عمل سلبي، ولا يتطلب مجهودًا كبيرًا."

"أما الحب الحقيقي، فهو عمل إيجابي يتطلب منك أن تتمرن على أركانه الأربعة: المعرفة، والعناية، والمسئولية، والاحترام. الحب الحقيقي واحد وإن تغير شخص من تحب. فحبك الحقيقي لأختك، مثل حبك الحقيقي لبلدك، مثل حبك الحقيقي لمن تحبها حبًا رومانسيًا كلها في أصلها متشابهة. أنت تحترم بلدك، وأختك، ومن تحبها، وتعتني بهم، وتحاول أن تفهمهم، وأن تكون مسئولاً عنهم، ولأنك مازالت مراهقًا فلن تستطيع أن تقوم بدورك في الحب الحقيقي أفضل قيام: لن تستطيع أن تكون مسئولاً عن من تحبها أو عن أختك، ولن تستطيع أن تعتني بمن تحب أو تفهمه فهمًا حقيقيًا. والمطلوب منك في مرحلتك العمرية هذه أن تنمي من قدرتك على الحب الحقيقي لتستطيع عندما تكبر وتقع في الحب أن تحوله إلى حب حقيقي. هذا ما أتمنى أن تعيه."

قلت هذا الكلام للطفل وقررت حينذاك أن يشمل كتابي التالي في مجموعة "أنا ونحن" فقرة عن "الحب" و"الزواج"، لأنني اقتنعت أن أولادنا محتاجون إلى هذه المعلومات، ومحتاجون أن نؤكدها لهم وهم ما زالوا صغارًا، فلا ننتظر حتى يكبروا ويصبحوا مراهقين وتقوم الهرمونات بدورها في جسمهم ثم نحاول أن نعلمهم ما هو الحب الحقيقي؟

ما يسهو علينا أن الحب الحقيقي عمل إيجابي يحتاج أن ينمو بالتعامل وبالتدريب، وأننا كآباء نحتاج أن نساعد على تنمية هذه العوامل في أبنائنا، فعلى سبيل المثال نعطي أطفالنا الصغار سمكة أو عصفورًا أو كلبًا، ليعتنوا بهم، ويصبحوا مسئولون عنهم، وألا ينظروا إليهم كلعبة أو كتسلية، بل كمسئولية، ونشجعهم على هذه النظرة، وعلى تحمل المسئولية.

كذلك، نعامل أولادنا باحترام ليستطيعوا أن يحترموا الآخرين، ونعاملهم بحب ليستطيعوا أن يعطوا الحب الحقيقي للآخرين. ونوعيهم أن حب روميو وجوليت، وقيس وليلى ما كانا إلا وقوعًا في الحب، وأن الزواج مؤسسة لها طقوسها، ومسئولياتها، وهي أكبر بكثير من الوقوع في الحب، فكنت اشرح لأولادي هذه الأفكار وهم مازالوا في سن العشر سنوات، كنت أقول لهم أنني أتمنى عندما يكبروا ويختاروا من تكون شريكة حياتهم أن يضعوا في الاعتبار أنهم يختارون من ستكون أمًا لأولادهم، وأن يضعوا في الاعتبار أهمية التوافق بينها وبين أفراد العائلة.

نعم، كنت أقول هذا الكلام لأطفالي وهم صغارًا. ولا ننس أنني كنت أرملة اربي أطفالاً في المهجر.

وبالفعل وضعت فقرة عن الحب وأخرى عن الزواج في كتاب "أنا ونحن أساسيات ومهارات".

ماذا كانت النتيجة؟

سأقص عليكم ثلاث قصص:

القصة الأولى: عندما بدأت مدرسة خاصة في تقديم برنامج أنا ونحن توجست إدارتها من تقديم جزئية الحب الحقيقي والزواج فكانت الإدارة تعتقد أنه بما أن كثير من الأمهات منتقبات فلن يتقبلن مثل هذه المواضيع، وبدون الرجوع إلى الأهل قررت أن تحذف هذه الجزئية من الكتاب الذي تقدمه لأطفالها!!!

القصة الثانية: عندما قدم مركز شباب في محافظة أسيوط جزئية الحب والزواج قرأ مشرف المحافظة هذه الجزئية في الكتاب واعجب بها كثيرًا، فطلب من مدير المركز أن يحضر تقديم البرنامج واعرب له عن اعجابه بهذه الأفكار وأراه الأطفال وهم يتناقشون في هذه المواضيع، وقد سجل المشرف رأيه الذي يظهر في يمين المدونة.

القصة الثالثة: عندما قدم مركز شباب شبرامنت، مديرية الجيزة، جزئية الحب والزواج اشتكى بعض الأهل لرئيس مجلس إدارة المركز أن هذه مواضيع للكبار ولا يجب أن تقدم لأطفال عمرهم يتراوح بين إحدى عشر وثلاثة عشر سنة. طلبت ميسرة البرنامج أن تجتمع مع الأهل في المكتبة حيث تقدم البرنامج، وحضر الأهل مع أعضاء مجلس الإدارة، فسألت المدرسة الأطفال رأيهم في موضوع الحب والزواج. تكلم الأطفال. فقالوا أن التلفزيون والأفلام أظهروا لهم صورة مغلوطة عما هو الحب لأنهم يخلطون بين الوقوع في الحب والحب الحقيقيي، وأن الأطفال فرحين لما تعلموه أن الحب الحقيقي هو احترام، ومسئولية، وفهم، وعناية. لم تقل الميسرة شيئًا واقتنع الأهل.

وهنا قالت شهرزاد: "هناك أمل"، وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون