الخميس، 30 يناير 2014

ما الحل يا بلدي؟-3


في المدونات السابقة اهتممنا بالتغيرات في الاقتصاد الهندي ليس فقط لأن حال مصر كانت في وقت من الأوقات قريبة من حال الهند، ولكن لثلاثة أسباب أخرى: 

- السبب الأول أن تقدم الهند كان مثلاً يُعطى للبلاد النامية، وبالفعل في السنوات الأخيرة من عهد مبارك كانت مصر تسير على خطى الموديل الهندي من حيث تبني الاقتصاد الحر، واقتصاد الخدمات (تكنولوجيا المعلومات)، فكان علينا أن نتعرف على تداعيات هذا النظام الاقتصادي الذي كانت مصر قد تبنته في وقت ما وقد يغريها أن ترجع إليه مرة أخرى لأنه سريع المفعول، 

- والسبب الثاني، أن الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر الآن قد تحثها أن تتبني ايضًا الطريق السريع للاقتصاد، فكان هذا سبب آخر شجعنا أن نتعرف على تداعيات النظام الاقتصادي الذي تبنته الهند. 

- والسبب الثالث، أنه مازالت في مصر طبقة رجال أعمال تحن أن ترجع إلى مراكز القوى التي بدأت تذوق طعمها في آخر عهد مبارك، وفعلاً، بدأت بعد الثورة في استغلال أموالها في شراء وسائل الإعلام كخطوة أولى لتوجيه الرأي العام حسب مصالحها، ومنه تقفذ على البرلمان وتسن القوانين التي تزيد من أموالها، إلخ، إلخ... 

بعد تقدم عالي المستوى (ولكنه غير متوازن) في اقتصاد الهند، تقدم دام حوالي عشرين عامًا، توقف هذا التقدم، وفي رأيي أن سببه هو ثلاثية معروفة للكل وهي ثلاثية:1-الأمية، 2-الفقر/الصحة، 3-الفساد، فكما رأينا قد إزداد الفقر في الطبقات الدنيا وانحدرت حالتها الصحية، وافتقر التعليم في هذه الطبقات، واستوطن فيها الفساد الذي كان متفشيًا من قبل. 

وبجانب ثلاثية الأمية، والفقر/الصحة والفساد هناك ثلاثية لا يركز عليها عامة الشعوب وهي ثلاثية: 1-ازدواجية أو استقطاب المجتمع (الفرق الشاسع بين الأثرياء والفقراء وبين المتعلمين والأميين)، 2-تحكم المال في الاعلام وفي السياسة، 3-اهمال القومية الوطنية. 

الاقتصاد الحر، لأنه بني على الحرية وعلى مكافئة العمل الجيد ومكافئة التفنن، فهو بطبيعته يشجع حالة الازدواجية أو الاستقطاب في المجتمع، ففي أي مجتمع هناك من سيستفيدون ويعلو مركزهم في الاقتصاد الحر (ومن هؤلاء من هم أكفاء ومن هم نصابين)، وهناك من لا يمتلكون الملكات التي تساعدهم على المنافسة في الاقتصاد الحر فيقعون إلى القاع ويفتقرون، وفي الاقتصاد الحر يصبح الثري أكثر ثراءًا والفقير أكثر فقرًا، كذلك، يتفشى النصب والفساد والأنانية واهمال القومية الوطنية إذا لم تتواجد القوانين التي تحد من ذلك، وقد رأينا ذلك في الهند وفي بلاد أخرى، لذا، أكد هذا الاقتصادي الفيلسوف العجوز دكتور أمارتيا سن على أهمية الناحية الاجتماعية للاقتصاد، وأن تقيم البلاد بما تعطيه لأبنائها من "قدرة"، ولكي يتقدم بلد اقتصاديًا يجب أن يأتي فيه الاصلاح الاجتماعي قبل الاصلاح الاقتصادي. 

فعندما نتساءل: ما الحل يا بلدي؟ الإجابة لمصر أننا يجب أن نتغلب على الثلاثيتين، بدءًا من الثلاثية الأولى فالكل يعرف أهمية التقدم بالتعليم وبالصحة ومكافحة الفقر والفساد، وأننا يجب أن نهتم بهذه العوامل الأساسية، ولكن، لا ننس الثلاثية الثانية، فالاقتصاد الحر آت لا ريب فيه ولا ريب أنه سيكون هناك استقطاب في الثراء وفي التعليم، وأننا يجب أن نكون مستعدين بالقوانين الاجتماعية الملائمة. 

يجب أن نركز على ثلاثة أنواع من القوانين الاجتماعية: 

- أولاً، القوانين التي تساند الفقراء والضعفاء من الشعب، مثل الحد الأدنى للأجور والتأمينات والتعليم، فنرى البرازيل يدفع أجرًا شهريًا للعائلات الفقيرة التي تجعل أطفالها يوظبون على الدراسة، ونرى انجلترا تعطي وجبة ساخنة في المدرسة لأطفال العائلات الفقيرة، وهكذا. 

- ثانيًا، القوانين التي تحد من تغول الفئات المستفيدة، بدءًا من قوانين للإعلام، وللتنافسية، وقوانين للفساد، والاحتكار وللانتخابات، قوانين تحد من الأموال التي تصرف على الانتخابات فتجعلها مباراة في الثراء، إلخ.. ولكن هنا يجب أن ننوه أن القوانين وحدها لن تكفي، يجب أن يساندهأ أو بالأصح يقودها مؤسسات ومجتمع مدني قوي. الأفضل أن يعمل المجتمع المدني على منع الفقر أن يتكون بدلا من أن ينتظر حتى يتكون ثم يحاربه. 

- ثالثًا، قوانين الأسرة، هي قوانين خاصة بمشاكل وعرف الحياة في عشوائيات وصعيد مصر حيث تظلم المرأة باسم الدين فتحرم من الأرث، أو تعمل وتشقى لتصرف على زوج متقاعس وأولاد يرى أنهم مسئوليتها، وكثيرًا ما يتزوج عليها شابة تأتي له بالمزيد من الأولاد وتعمل أيضًا لتصرف على بيته الثاني. مشاكل يطول سردها وستطلب حلاً سريعًا قبل أن تقع مصر في الهاوية. 

وهنا قالت شهرزاد: "الحل يابلدي هو كما قال الاقتصادي الفيلسوف العجوز: "الاصلاح الاجتماعي قبل الاصلاح الاقتصادي"، وسأزيد على كلامه ثلاث كلمات: "والمزيد من الشجاعة"، وسكتت عن الكلام المباح. 

د. سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون