الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

قصصنا العائلية


بعدما عدت إلى مصر منذ أكثر من عشر سنوات، قررت أن أكتب كتابًا للأطفال لأربي فيهم اعتزازهم بأنفسهم لأن من يعتز بنفسه لا يكذب ولا يسرق، ويتقن عمله ولا يقوم بشيء ينتقص من اعتزازه بنفسه، فكان كتاب "أنا ME" الذي كون الجزء الأول من برنامج أنا ونحن.

ويربي "أنا ME" الاعتزاز بالنفس في الطفل عن طريق ثلاثة أوجه:

- فهو أولًا يسأل الطفل أسئلة شخصية كثيرة: اسم والده ووالدته، وجده وجدته، وما هي اللعب التي كانوا يلعبونها وهم صغار، وكيف كان حفل زواجهما، وما هي الكتب التي كانوا يقرأونها وهم صغار، وما اسم إخوته، وأصدقائه، وجيرانه، وما هي المواد الدراسية التي يحبها، واللعب التي يحب أن يلعبها، ... إلخ. فعندما يسأل الكتاب الطفل كل هذه الأسئلة الشخصية هو يقول له بطريقة غير مباشرة أنه مهم، وأنه لذلك يريد أن يعرف كل هذه الأشياء عنه، وهذا الاهتمام يزيد من اعتزاز الطفل بنفسه. 

- وثانيًا، يساعد الكتاب الطفل أن يعرف نفسه ليستطيع أن يعتز بها، فيسأله أسئلة ليعرفه الأوجه الثلاثة لنفسه، فيسأله عن ماضيه، مثل الأسئلة عن والديه وأجداده، ويسأله أسئلة كثيرة عن حاضره مثلًا عن أصدقائه، وجيرانه، واللعب التي يحب لعبها، ويسأله أسئلة كثيرة عن مستقبله وأحلامه وأهدافه.

- وثالثًا، يعلم الطفل النظام والعمل دائمًا بأهداف واضحة، ويعلمه الفرق بين الهدف والحلم، فالهدف واضح، وكمي، ونخطط لنصل إليه. وعندما يتعود الطفل أن يعمل بأهداف، فكل خطوة في طريق الهدف تزيد من اعتزازه بنفسه، ويزداد اعتزازه بنفسه عندما يصل إلى هدفه.

كان لكتاب "أنا ME" مفعول كبير على الأطفال وأهلهم. تعلم الأطفال أن يكونوا منظمين وأن يعملوا دائمُا بأهداف واضحة، عرفوا أشياء كثيرة لم يكونوا يعرفونها عن أنفسهم، وعن أهلهم، وسعد الأهل بالكتاب لأنه قربهم من أطفالهم، وجعلهم يشاركونهم في ذكرياتهم الشخصية.

عندما كتبت كتاب "أنا ME" كانت أفكاري كما أوضحتها أعلاه، ولكن منذ بضعة أسابيع ظهر مقال في جريدة الـNew York Times تحت عنوان The Stories that Bind Us، أو "القصص التي تربطنا ببعضنا البعض" ألقى ضوءًا مختلفًا على موضوع الأسئلة التي نسألها للأطفال عن أهلهم ومعرفة الأطفال بتاريخ أهلهم.

درست وتابعت هذا الموضوع فعرفت أنه في التسعينيات من القرن الماضي كان في الولايات المتحدة اهتمام كبير بما لاحظه علماء النفس من تفكك أسري في المجتمع، ونتج عن هذا الاهتمام بظاهرة التفكك الأسري أن اهتم علماء النفس بإيجاد طرق للتغلب على هذه الظاهرة.

لاحظت د. سارة دوك Sara Duke التي كانت تعالج الأطفال من صعوبات التعلم أن من كان منهم يعرف الكثير عن أهله وتاريخ عائلته كان يستطيع التغلب على مشاكل التعلم أفضل من الأطفال الآخرين. كانت هذه ملاحظة غريبة، فما علاقة معرفة معلومات عن العائلة بالتغلب على مشاكل التعلم التي يقابلها الأطفال؟

كان زوج د. سارة هو د. مارشال دوك Marshall Duke أستاذ علم النفس في جامعة إيموري في أطلانطا، ولاية جورجيا، وكانت أبحاثه تتصل باستكشاف دور الأساطير والطقوس في الأسر، فعندما أخبرته زوجته بملاحظتها عن علاقة التغلب على مشاكل التعلم بمعرفة الكثير عن الأهل، عمل على أن يدرس هذه الملاحظة الغريبة فألف امتحانًا من عشرين سؤالا أسماه "What Do You Know?"" ، أي "ماذا تعرف؟" وفيه كان يسأل الأطفال أسئلة ليستدل منها على معرفتهم معلومات عن أهلهم، مثل المدرسة التي درس فيها والد ووالدة كل منهم، وكيف تقابل الأبوان؟ وإذا كانت قد حدثت لهم مشكلة صعبة أو مرض في الصغر؟ 

أعطى د. دوك اختبار "ماذا تعرف؟" لأطفال 48 عائلة كان قد أعطاهم من قبل مجموعة من الاختبارات النفسية، فوجد أن بالفعل الأطفال الذين يحصلون على درجات عالية في اختبار "ماذا تعرف؟" هم من حصلوا على درجات عالية في الاختبارات النفسية. 

ألحق د. دوك نتيجة اختباراته بأبحاثه في دور الأساطير والطقوس في الأسر، وأكد أنه بالفعل الأطفال الذين يعرفون عن تاريخ أسرهم هم من يستطيعون أن يتغلبوا على مشاكل التعلم، وأن السبب في ذلك، هو أن معرفتهم بتاريخ عائلتهم تشعرهم أنهم جزء من منظومة كبيرة، وهذا الشعور يعطيهم ثقة في أنفسهم، ويساعدهم على التغلب على المشاكل التي تقابلهم. لذلك، نصح د. دوك الأهل أن يكونوا قصصًا عائلية عما قابل عائلتهم من أحداث ومشاكل ويقصونها على أولادهم، وألا يكتفوا بسرد المشاكل، أو الأحداث السعيدة، ولكن عليهم أن يقصوا القصص التي تجمع ما بين سرد المشاكل وسرد كيفية تغلب الأهل عليها، فأفضل قصص هي ما تقص عن وقت كان أفراد العائلة أغنياء أو مهمين أو أصحاب سلطة، ولكنهم مروا بأوقات صعبة كأن تقص أيضًا عن أفراد العائلة الذين مروا بمشاكل، مثلًا قصة الخال الذي كان يتعاطى المخدرات وأفلس، فهذا النوع من القصص العائلية يربي في الأطفال القوة التي تساعدهم في الكبر على التغلب على مشاكل الحياة. 

لماذا الاهتمام بموضوع القصص العائلية؟

لأننا في حالة حادة من التففك الأسرى، وعوامل كثيرة تعمل على استمرار هذا التفكك، مثل النسبة العالية من الطلاق، ورجال الطبقة الدنيا الذين يتزوجون أكثر من امرأة تعمل وتصرف عليهم وعلى عائلتها، وانتشار العشوائيات، ومشاهدة التلفزيون الزائدة عن الحد التي تتدخل في التواصل العائلي.

هنا قالت شهرزاد: " حان الوقت أن ندق ناقوس الخطر"، وسكتت عن الكلام المباح. 


د. سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون