الأحد، 28 أبريل 2013

ماذا لو؟


"ماذا لو؟" كلمات سحرية، تفتح أبواب الخيال، ونستعملها لننمي خيال الأطفال، فنسأل طفل الخمس أو الست سنوات: "ماذا لو كنت نملة؟ كيف سترى العالم من حولك؟ تصور أنك نملة تقف بجانب هذا الحذاء وتنظر إليه. ما هو حجم النملة مقارنة بحجم الحذاء؟ هل هو مثل حجمك مقارنة بحجم مبنى أربعون طابقًا؟ ماذا سترى إذا كنت نملة، وبماذا ستشعر عندما تقف بجانب حذاء في حجم مبنى من اربعين طابقًا؟"

ثم نسأل الطفل: "هل تريد أن تنام على الأرض وتنظر إلى أعلى لتتصور ماذا سترى النملة؟"، فينام الطفل على الأرض وينظر إلى أعلى ليرى ماذا ترى النملة. 

ثم نسأل طفلة سنها خمس أو ست سنوات: "ماذا لو كنت عملاقة شاهقة الطول، مثلا يصل طولك إلى طول مبنى من خمسة عشر طابق؟ كيف سترىن العالم من حولك وأنت عملاقة في حجم العمارات وأحيانًا أكبر منها؟ كيف سترين الناس من أعلى ومن مسافة طولك؟ أنت ترينهم من رأسهم وترينهم في حجم صغير لأنك شاهقة الطول. أتريدين أن تقفي فوق الطاولة لتري الناس من أعلى؟ فتقف الطفلة فوق الطاولة لترى ما ترى العملاقة.

لماذا نسأل كل هذه الأسئلة؟

لأننا نريد أولاً أن ننمي خيال الأطفال، وأيضًا، لأننا نريد أن نعطيهم نظرة خاطفة لنسبية الأمور وذلك عن طريق تعلمهم أن الأشياء لها أوجه مختلفة، فنساعدهم أن يتخيلوا كيف يكون النظر من هذه الأوجه المختلفة، هم يرون كيف ترى النملة أو كيف ترى العملاقة عالمها، ولكنهم لا يتصورون أنفسهم مكان النملة أو العملاقة، فهذا سيتطلب منهم نضجًا أكثر مما عندهم كما سترون فيما بعد.

ثم نأتي لأطفال العشر سنوات أو إثنى عشر سنة فنسألهم: "ماذا لو وجدتم مصباح علاء الدين وخرج لكم جني المصباح، ماذا ستطلبون منه؟"، فمن سيقول "سأطلب منه الكثير من المال"، ومن سيقول: "سأطلب منه أن اصبح طبيبًا وعندي مستشفى أعالج فيه الفقراء دون أجر"، فنسأل: "لماذا تريد الكثير من المال؟" أو "لماذا تريد مستشفى تعالج فيه الفقراء دون أجر، ألا تريد شيئًا خاصًا لك؟"

ألاحظتم ماذا حدث؟

بعد أن تمادى الأطفال في الخيال وتصوروا ماذا سيطلبون من جني المصباح نغير تفكيرهم تغيرًا كبيرًا، إذ نأخذهم من الخيال إلى التحليل.

ثم ننتقل من تصور مصباح علاء الدين إلى تصورات أخرى، فنسأل الأطفال: "ماذا لو وجدتم السجادة الطائرة إلى أين تريدون أن تأخذكم؟"، ومرة أخرى عندما ينفتح خيالهم ويختاروا أين ستأخذهم السجادة الطائرة نغير تفكيرهم تغيرًا كبيرًا من الخيال إلى التحليل فنسألهم: "لماذا هذا الاختيار؟"، ثم ننتقل إلى تخيل آخر فنسألهم: "ماذا لو وجدتم آلة الزمن التي تستطيع أن تأخذكم إلى أي عهد من الماضي أو المستقبل، إلى أي عهد تريدون أن تأخذكم؟"، ومرة أخرى عندما ينفتح خيال الأطفال ويختاروا العهد الذي يريدون أن يذهبوا إليه ننتقل بتفكيرهم من الخيال إلى التحليل فنسألهم: "لماذا هذا الاختيار؟"، هكذا نجعل تفكيرهم يتناوب ما بين الخيال والتحليل، ثم مرة أخرى من الخيال إلى التحليل، فهذا التناوب المكوكي بين طرق تفكير مختلفة يكسب تفكير الأطفال مرونة.

نأتي لأطفال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر سنة فنعرفهم بقضية لها وجهين نظر، مثلاً نعرفهم بقضية الهوتو والتوتسي في رواندا، وكيف أن التوتسي المتعلمين كانوا يحتقرون الهوتو غير المتعلمين، الفقراء، ولا يعطوهم حقوقهم في التعليم وغيره، فنطلب من كل طفل أن يتناسى رأيه الخاص في مشكلة الهوتو والتوتسي، ويتكلم مرة بإسم الهوتو فيقدم وجهة نظرهم وكيف أن لهم نفس حقوق التوتسي، ثم يتكلم باسم التوتسي مقدمًا وجهة نظرهم، وكيف أن الهوتو غير مؤهلين للعمل الجيد، إلخ.

لماذا نخضع الشباب لهذه التمرينات الذهنية؟

لأنها تمرينات مفيدة لهم. لقد تعلمتها عندما كان ولداي حسن وطارق المصري يمارسان نشاط الـمناقشة في المدرسة الثانوية في ضاحية شيكاغو، فكان يُطلب من كل طالب في النشاط أن يترافع (على طريقة المحامي في المحكمة) ليقدم الحجج لموضوع ما، ثم يقدم الحجج لعكس الموضوع أي يقوم بدور المحامي مرة والمدعي العام مرة أخرى، فيتعلم أن يرى أوجه النظر المختلفة دون أن يخلط بينها وبين وجهة نظره الخاصة.

بهذه التمرينات المختلفة نحن نأخذ الأطفال إلى ثلاث مستويات ذهنية متتالية، كل مستوى منها مبني على المستوى الذي سبقه، فنبدأ بأن نحث خيالهم، ثم نكسب تفكيرهم مرونة، ثم نساعد على نضوج فكرهم عندما نمرنهم على أن يروا أوجه النظر المختلفة. ولكن، هل هذا كل ما نتطلبه من نضوج فكر الأطفال؟

لا، فهذه التمرينات الذهنية ما هي إلا تأهيل لصفة وجدانية لا تتواجد بسهولة في المراهق أو في الطفل الأقل سنًا، وهي التعاطف، أي يتعلم الطفل أو الشاب أن يضع نفسه مكان الآخر ويتصور شعور الآخر. يقال أن هذا التعاطف لا يتكون بسهولة في الأطفال، فعندما يداوم الأهل على القول لطفلهم "ضع نفسك مكان أخيك الصغير، لا تعاكسه، تصور بماذا ستشعر إذا كنت مكانه"، لا يعي الطفل ما يقولون فهو لا يفكر إلا في نفسه. الله عز وجل جعله كذلك لكي يستطيع أن يبقى على قيد الحياة وهو الصغير الضعيف، فيعوض له عن ضعفه، بتركيز تفكيره في نفسه، وعندما يكبر وينمي خياله ويكتسب مرونة في التفكير ويتعلم النظر إلى أوجه النظر المختلفة، ويتمرن على أن يشعر بشعور الآخر، كل هذا يبعده عن التركيز في نفسه، فيتعلم كيف يحاول أن يفهم كيف يفكر وكيف يشعر الآخر، فيكون هذا تأهيلاً له أن يصبح أكثر إنسانية، لذا اتعجب عندما أرى من يُظهر للعالم أنه رجل دين ولكنه في الحقيقة لا يستطيع أن يتعاطف مع الآخر، أو يشعر بما يشعر به الآخر، وبالتالي فهو قليل الإنسانية. 

وهنا قالت شهرزاد: "الدين يحث على انسانيتنا"، وسكتت عن الكلام المباح.


د. سهير الدفراوي المصري

هناك تعليقان (2):

  1. دكتورة سهير
    بعد التحية

    من الجيد ان يتعلم الاباء والامهات مثل هذه التجارب لكى يساعدو ابنائهم على تنمية مهارتهم العقلية والتحليلية لما لها من اهمية كبيرة فى حياتنا وخصوصاً مثل هذه الايام التى اصبح من السهل جداً فيها تغيير المفاهيم والتلاعب بالعقول إلا من رحم ربى

    أرجو من حضرتك وضع خطة أو جدول لأولياء الامور لتنفيذ مثل هذه التمرينات الذهنية مع ابنائهم وخصوصاً أننا على مشارف أجازة نهاية العام الدراسي

    وفى انتظار الجديد

    شكرا

    محمد

    ردحذف
  2. انا ححاول اعمل كده مع بنتي ان شاء الله : ))

    ردحذف

المتابعون