الأحد، 15 فبراير 2015

أفكار في التزايد السكاني


قلت: مشكلة تزايد السكان اصبحت خطيرة، ويجب أن نهتم بحلها سريعًا لأنها تتفاقم وقريبًا لن نستطيع أن نتحكم فيها.

قالت: المشكلة ليست في تزايد السكان، ولكن في التنمية والتعليم، فالتنمية تستوعب زيادة السكان، والمعروف أن الأم المتعلمة تنظم نسلها من نفسها لأنها تعرف أفضلية أن تعطي كل الاهتمام والعناية والتعليم لعدد قليل من الأطفال عن أن تعطيهم لعدد كثير منهم، فيجب أن نهتم بالتنمية والتعليم ونحافظ على زيادة النسل لأننا لا نريد أن نصبح مثل اليابان الذي اصبح معظم سكانه من كبار السن.

قلت: كلام عظيم وأوافقك أن المشكلة هي قلة التعليم والتنمية ونحن لا نريد أن نصبح مثل اليابان فيصبح كبار السن هم الأغلبية في البلد، أوافقك على كل هذا، ولكن اسمحي لي أن اضع موضوع كبار سن السكان على جانب لأنه ليس في لب الموضوع، فلب الموضوع هو الزيادة السكانية، والحل هو فعلاً التعليم والتنمية.

ولكن ماهي ديناميكية المشكلة؟ وكيف تتوافق المشكلة ديناميكيًا مع حلها؟

عندما كنت طالبة دراسات عليا كنت اضع على مكتبي نبات كولياس في وعاء ربما كان صغيرًا عليه فلا يحتفظ له بكمية كافية من الماء، فكنت إذا تأخرت على إعطائه الماء يذبل، فاسرع بإعطائه الماء، وفي دقائق يرتوي وينتصب، ذلك لأن الديناميكية بين مشكلته وهي الذبلان، وحلها وهو أن يرتوي، هي ديناميكية متناسقة وسريعة: عندما يرتوي يختفي الذبلان في دقائق وينتصب. ولكن ديناميكية مشكلة التزايد السكاني مع حلها وهو التعليم والتنمية ليست متناسقة وسريعة، فالتزايد السكاني يتزايد مثل الماء المتدفق من حنفية مفتوحة، ويتزايد بالأكثر في طبقة الفقراء غير المتعلمين الذين يجلبون الأطفال ليساعدوهم في العمل، فتزداد هذه الطبقة، وتصبح المشكلة مركبة، وفي الوقت نفسه فمفعول الحل لا يأتي في ساعتها، فحتى إذا بدأنا في محو الأمية وتقدمنا بالتعليم وبالتنمية فمفعول هذه الاجراءات لن يظهر في ساعتها، سيحتاج لسنين، وفي هذه السنين ستبقى الحنفية مفتوحة والتزايد السكاني يزداد لوغاريتميًا.

لا مفر من أن نقفل الحنفية.

لقد قفلت الصين الحنفية وشرعت لطفل واحد في العائلة، وتطبق القانون في المدن، ولكن لا تطبقه مع الأقليات الصينية أو في المناطق النائية، وتركت السكان في حالهم، وعملت مثل القطار الذي يؤذن بالصفارة أنه سيتحرك، فمن يريد أن يركب يركب سريعًا ومن لا يركب يبقى في المحطة، ففي داخل الصين هناك الملايين من الفقراء الذين فاتهم القطار، ولا أحد يسمع صوتهم لأنه لا توجد ديمقراطية أو انتخابات، فبقي هناك نوعان من الصين، الصين المنتجة التي تتقدم وتجاري العصر بل تقوده، والصين التي فاتها القطار.

نحن لا نريد أن يكون هناك نوعان من مصر، لأن هذا معناه ضياع الديمقراطية، والحياة الكريمة للطبقة الفقيرة غير المتعلمة التي لا تعرف كيف تخطط لمستقبلها، ولا تعي إلى أين هي تسير وتأخذ البلد معها، فلمصلحة هذه الطبقة ولمصلحة كل المصريين، يجب أن تقفل الحنفية قبل فوات الأوان.

قالت: أنت لا تتصورين المشكلة التي تخلقينها بهذا الفكر. الفقير يحتاج أن يأتي بأطفال ليساعدوه في المعيشة، وهو مقتنع دينيًا أن الأطفال زينة الحياة الدنيا، وأن سيدنا محمد (ص) سيفتخر بعدد المسلمين يوم القيامة، وأن الطفل يأتي ورزقه معه، والكثير من المشايخ يحبذون هذا الفكر، وقد رأينا من قبل محاولات "تحديد النسل"، وسميت "تنظيم النسل"، ولكنها لم تنجح، والآن في الظروف الحالية، لن نجد فائدة من هذا الكلام. لا، هذا ليس وقت الكلام في موضوع تنظيم النسل.

قلت: هل فكرنا أن الاستراتيجية التي استعملناها من قبل ربما كانت استراتيجية ضعيفة؟ لقد ذهبنا إلى الأسد في عرينه مستسلمين لأدوات قوته دون أن نأتي بقوة من جانبنا. فنحن متفقون أن المنطقان اللذان يساندا تفاقم هذه المشكلة هما من ناحية الفقر والحاجة، حاجة الأهل أن يأتوا بأولاد ليساعدوهم في الحياة، ومن ناحية أخرى الدين، فهناك ما يفيد أن الدين يحبذ التكاثر (ونحن لا نتناقش في صحة هذا)، فما هو المنطق الذي استعمل لمحاربة هذين المنطقين؟ استعمل منطق "شيك" وغير مجدي: "لا، أنا لا اريد منكم أن تحددوا النسل، لا، لا، أنا أريد منكم أن تنظموه فقط!"

هل يعتقد أحد أن هذا الكلام "يدخل" على أحد؟ أن ننظم أو نحدد، فالنتيجة واحدة: عدد أطفال أقل. وهذا ما لا يتقبله بسهولة الفقير إلا اذا استطعنا أن نقنعه بغير ذلك. 

منذ أيام كان عندي في المنزل عامل نجارة يقوم بإصلاحات، وأنا احب أن اتكلم مع كل خلق الله، فتكلمنا في خير البلد وتحديد النسل. قال: "البلد مليئ بالخير. هل سمعت بمنجم السكري يا دكتورة؟ أنه يعطي الملايين من الدولارات من الذهب، كذلك، قناة السويس تأتي بالملايين، ولكننا لا نرى هذه الأموال، مصر غنية يا دكتورة، ويطلبون منا أن نحدد النسل".

هنا اكتشفت أننا عن طريق التوك شو، والكلام السطحي في السياسة قد خلقنا طبقة شبه متعلمة تعتقد أن بالقليل من المعلومات التي تمتلكها هي تعرف كل شيء، ولأن طبعها الشك وعدم الثقة فسنجد صعوبة في الوصول إليها واقناعها.

في هذه الظروف ما يجب أن نقوم به هو أن نعترف بالحقيقة، أن يعرف الشعب صعوبة الحالة الاقتصادية، فالمتعلمون يعرفونها، ولكن ربما صورتها ليست واضحة عند شبه المتعلمين، فعلينا أن نعرفهم صراحة عوامل الصورة الاقتصادية، ونفهمهم أن خير البلد محدود، لم يكن محدودًا في وقت مضى وكان الفقير يستطيع أن يأتي بأولاد كثيرة تساعده في المعيشة ولا تكلفه الكثير، ولكننا الآن قد اقتربنا من نهاية الخير.

وما دليلي على أننا قد اقتربنا من نهاية الخير؟

دليلي الذي يجب أن نوضحه لشعبنا شبه المتعلم هو غلو أسعار مواد الأكل، فالمعروف أنها نتيجة عرض وطلب، وعندما ترتفع فهذا دليل مؤكد أن هناك عدد أكثر ممن يطلبونها عما تنتجه مصر، وكل طفل نأتي به أكثر من طاقتنا الانتاجية نحن نزق الأسعار أن ترتفع أكثر وأكثر، وبالتالي سيزداد من لا يجدون ما يكفيهم من مواد الأكل، لذا علينا أن نفكر أن كل فم نأتي به سياخذ من الخير المحدود الذي ينتجه البلد، ومن نصيبنا فيه. 

عندما نتكلم بهذه البساطة والمنطقية نحن نحارب الأسد في عرينه ونحارب قوته بقوة تماثلها: فإذا كان الكلام عن الحاجة للأولاد الكثيرة لمساعدة الفقير في المعيشة، فالرد المقنع أن هذه الأولاد في حال الخير المحدود تصبح عبئًا ولن تساعده بل تفقره أكثر.

وعلينا أن نزيد على الرد لمنطق الحاجة والفقر، الرد لمنطق الدين فنقول أن الله يطلب منا دائمًا أن نعقل الأمور "أفلا تعقلون"، وسيدنا محمد (ص)، يريد أن يفتخر بخامة المسلمين وليس فقط بعددهم، فالأفضل أن نربي طفلين أحسن تربية وأحسن تعليم عن أن نجلب عشر أطفال لا نستطيع أن نعلمهم، ويصبحوا عالة على مجتمعهم.

عندما نقدم هذه الأفكار سيفهم الشعب شبه المتعلم أننا نعمل على مصلحته، وسيتقبل أن نقفل الحنفية، والا تأتي كل إمرأة بأكثر من طفلين حتى تقوم مصر من كبوتها، ويتقدم التعليم والتنمية في مصر. ويجب أن نقدم الاعلانات التلفزيونية التي تشرح وتناصر هذا الفكر.

ضحكت وقالت: "هذا كلام جديد وجريء، جود لاك".



وهنا قالت شهرزاد: "من وقت لآخر نحتاج لكلام جديد وجريء"، وسكتت عن الكلام المباح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون