الخميس، 4 أكتوبر 2012

لقد مررت من قبل في هذا الطريق


في أوائل حياتنا العملية في ولاية ميتشجان كان للمرحوم زوجي زميل هندي متزوج من سيدة هندية اسمها أوشا. وكان هذا الزميل قد درس الكيمياء في الهند وحصل على درجة الدكتوراة، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ووجد وظيفة في معمل أستاذ أمريكي، وهو في ذلك يعتبر أقل درجة من زملائه الذين حصلوا على الدكتوراة من الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك، كان من المنتظر أن يبقى باقي حياته العملية في ما يسمى "بوست دوكتورت" يعني "في حالة تمرين ما بعد الدكتوراة" في معمل الأستاذ الأمريكي يعطيه راتبًا متواضعًا ولا يعمل جادًا أن يجد له وظيفة مستديمة في جامعة أو شركة أدوية لأن شهادته لم تكن شهادة "درجة أولى". نلاحظ أن هذه الفقرة من القصة حدثت منذ أكثر من ثلاثين سنة عندما كانت الشهادات الهندية تعتبر في بعض المجالات أقل كثيرًا من الشهادات الأمريكية.

صادق المرحوم زوجي هذا الكيميائي الهندي، وعندما عرضت شركة أدوية على زوجي أن يعمل فيها، وافق على العرض ورشح صديقه الهندي، فسافرت العائلتان إلى مكان شركة الأدوية، وكبرت الصداقة بيننا.

وفي يوم ما عندما كنت أزور أوشا في منزلها، أخذتني إلى المكان الذي يحتفظون فيه بتماثيل الآلهة المختلفة، ورأيت دولابًا من زجاج فيه حوالى 30 تمثالاً ارتفاع كل منها حوالي 12سم، وشرحت لي أن هذه هي الآلهة المختلفة التي تجلب لهم الخير وتحافظ لهم على صحتهم ومنزلهم.

نظرت إلى التماثيل فوجدت زلومة فيل وأشخاصًا بأيادٍ كثيرةحيوانات، وشعرت في داخلي بالاستعلاء والاستهزاء لهذه الديانة التي تُعبد فيها هذه الأشكال الغريبة، ولكني بكل أدب أظهرت لها كل التفهم والاهتمام لشرحها لي.

ومرت السنون وزرت الهند مرتين. في المرة الأولى كنت أسير مع صديقاتي في شارع عريض فوجدت الناس يهرعون إلى معبد على تل صغير. أسرعت معهم صاعدة سلالم المعبد لأنه كان عندي فضول أن أتعرف أكثر على هذه الديانة الغريبة. وقفت بجانب شاب هندي سنه حوالي عشرين عامًا، يصلي بكل خشوع وهو مغمض العينين، وتشعر أن كل روحه مع التراتيل التي يقولها. تذكرت أوشا وتماثيلها، وجدت نفسي قد تعديت التعالي والاستهزاء بهذه الديانة، وفكرت أن ليس من حقي أن أستهزئ بديانة أحد حتى إذا عبد الأشكال الغريبة. ليس لي أن أحكم عليه، من يحكم عليه هو ربه الذي خلقه وسيحاسبه، وما علي إلا التعامل معه من الناحية الإنسانية، وأن أحترمه لكل هذا الخشوع الذي يظهره في صلاته.

وبعدها بأربع سنوات زرت الهند مرة ثانية مع ابني وعائلته، وأجرنا عربة ميكروباص للعائلة تأخذنا من مكان لآخر ونحن نمر بالقرى الهندية المختلفة في ما يسمى المثلث الذهبي حيث حكم المسلمون الهند. جلست في المقدمة بجانب السائق، فوجدت على لوحة القيادة تمثال قرد، وشرح لي السائق باحترام شديد أن القرد هو إله السفر. لم أستهزئ أو أتعالَ. لقد مررت بطريق الاستهزاء والاستعلاء من قبل وتعديته.

فعندما أقرأ في مقترحات الدستور الجديد أنهم يتكلمون عن الديانات "السماوية" أتساءل: ماذا يعنون؟ أنا مسلمة وأنت مسيحي، وهو يهودي، ونحن مقتنعون أن دياناتنا هي الديانات السماوية، ولكن هل فكرنا في الآخر؟ لكل واحد الحق أن يحب ويحترم دينه، وإذا أراد أن يعتقد أن دينه هو أفضل دين وهو دين سماوي فهذا من حقه مادام لا يتعدى علي أو على الآخر في شيء. هذا حق يجب أن نعطيه للعدو كما نعطيه للصديق.

في أمريكا ديانة المورمون وهي ديانة المرشح الجمهوري مت رومني، وقد أسسها جوزيف سميث الذي عاش في القرن التاسع عشر في أمريكا وقال: إن ملاكًا أنزل له لوحاتٍ عليها قواعد الديانة الجديدة التي يعتبرونها إصلاحًا للمسيحية. فهل المورمون ديانة سماوية؟ نحن لا نعتبرها سماوية، ولكنهم يقولون أنها كذلك، وأن جوزيف سميث كان نبيًا، فمن له الحق أن يحكم إن كان نبيًا أم لا؟ من له الحق أن يحكم على دين الآخر؟ لماذا نخلق المشاكل وفي مقدورنا أن نتفاداها؟ لماذا لا نعي قول الله "لكم دينكم ولي دين"؟

ومن ناحية أخرى نحن نطلب من الهند والصين واليابان مساعدتنا في التقدم الاقتصادي، فإذا أسسنا معهم المصانع في مصر، وأتى آلاف العمال من هذه البلاد، وأراد شركاؤنا في الاقتصاد أن يبنوا المعابد للعمال كما نبني المساجد للمسلمين من عمالنا فهل سنقول لهم لا، إن ديانتكم ليست سماوية وغير مسموح لكم أن تبنوا المعابد؟ وهل يكون ذلك تعديًا على الاتفاقيات الدولية التي تحرم التمييز بناء على الدين؟ هذه أسئلة يحق لنا أن نتساءلها.

أتمنى أن نتعدى طريق التعالي والاستهزاء بالآخر وبكل ما هو متصل به، وأن نحترمه ونحترم ديانته وثقافته وكل ما هو متصل به كإنسان، وكفانا ريشًا نسعى دائمًا أن نزين به رؤوسنا. ما يجب أن نمنعه بالقانون هو التبشير، أي نوع من التبشير، لكي يعيش الكل في سلام، وننتبه للتقدم.

وهنا قالت شهرزاد: "أفلا تعقلون؟ كلمة السر هي احترام الآخر أيًا كان" وسكتت عن الكلام المباح.

د. سهير الدفراوي المصري

هناك تعليق واحد:

  1. سيدتى الكاتبة

    أشكرك على مقالك هذا وخصوصا عندما يصادف هذا،الوقت الذى تمت الإساءة فيه للنبي (محمد صلى الله عليه وسلم)، وأتمنى أن تصل كلماتك تلك لهؤلاء الذين يسيؤون للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يتكون عندهم مبدأ احترام الآخر، هذا المبدأ الذى يفتقده مثل هؤلاء الأغبياء من الغربيين ، لأننا هنا ننادى باحترام الآخر ومعتقداتهم، وأنت أقرب مثال على هذا

    شكراً لك

    ردحذف

المتابعون