الأحد، 25 يناير 2015

أفكار في محو الأمية

قرأت منذ مدة أن مصر بكل مجهوداتها في محو الأمية قبل الثورة لم تكن تنتقص من نسبة الأمية لأن الزيادة السكانية كانت تقابل وتعوض أي تقدم في محو الأمية، فوقفنا في مكانك سر لمدة سنين عدة. 

ومما لا شك فيه أن حال الأمية قد إزداد سوءًا بعد الثورة لأن المجهودات التي كانت تبذل في محو الأمية قد نقصت، وفي الوقت ذاته داومت الزيادة السكانية على التزايد. ومن المعروف أن من نريد أن نمحي أميته إذا لم يريد طواعية أن يتعلم القراءة والكتابة، وبعد أن يتعلمهما يداوم على ممارستهما، فسينسى ما تعلمه في برامج محو الأمية.

وبرنامج "أنا ونحن" الذي نقدمه في المدارس ومراكز الشباب برنامج نشاطات مسلي، يحبه الأطفال، وفي الوقت الذي يقومون فيه بنشاطات مسلية يتعلمون مفاهيم مهمة. ويرتكز البرنامج على القراءة والكتابة، فيهتم الجزء الأول، كتاب "أنا"، بزرع الاعتزاز بالنفس والهوية في الطفل عن طريق أسئلة كثيرة يسألها الكتاب للطفل ليعرفه أنه مهم، وأنه هو كتابه، صديقه يريد أن يتعرف عليه، فيشجع الكتاب الأطفال أن يتفكروا وأن يشاركوا الكتاب في أفكارهم، وأحلامهم، وينتج عن ذلك أن كل طفل يكتب الكثير في كتابه. 

هذا ما يحدث مع معظم الأطفال في برنامج "أنا ونحن"، ولكن كثيرًا ما نجد في المدارس أطفالاً لا يعرفون القراءة والكتابة، هم أميون أو شبه أميون، ولكن النظام المدرسي صار سنة بعد سنة، ودرجة بعد درجة يزقهم، فيتقدمون دون أن يستحقوا النجاح. يجلسون في أماكنهم في الفصل، لا يكتبون ولا يقرأون، ولا يهتم أحد بتعليمهم، وهم أيضًا، لا يهتمون أن يتعلموا القراءة والكتابة.

إلى أن تواجدوا في برنامج "أنا ونحن"، فوجدوا الأطفال الذين يعرفون القراءة والكتابة يقرأون، ويلعبون، ويمثلون، وهم مرحون، سعداء بالتعبير عن أنفسهم، ففي أكثر من حالة وجدنا طفلاً من هؤلاء الأطفال يتظاهر بالكتابة، ويملأ صفحات كتابه شخبطة تشبه الكتابة ولكنها ليست كتابة. قلنا للمدرسين، تظاهروا أنكم لا تلاحظون أميته، اطلبوا منه أن يعبر شفهيًا عن نفسه حتى لا يخجل، وبعد قليل وجدنا هؤلاء الأطفال يعترفون للمدرسين أنهم لا يستطيعون القراءة وأنهم يريدون تعلمها.

هكذا، عندما وجدوا تطبيقًا يريدونه لمحو أميتهم، سعوا طواعية إليه، وهذه ملاحظة مهمة، لا يجب أن تغيب عن أعيننا.

في موضوع محو الأمية، نريد، نحن الطرف الأول في المعادلة، أن نمحي أمية الجهلاء من شعبنا، فنقوم بحملة محو أمية، ولكن، ماذا عن الطرف الآخر في المعادلة؟ ماذا عن من يحتاج أن تُمحى أميته؟ ماذا عن هذا الفلاح أو الحرفي، أو سيدة المنزل؟ لقد عاشوا طيلة عمرهم دون أن يحتاجوا أن يتعلموا القراءة والكتابة، وتعودوا على هذه الحياة، فإذا لم يجدوا فائدة مستديمة من محو أميتهم لن يداوموا على محوها.

يجب أن نتعلم كيف نضع أنفسنا مكان الآخر، ونتصور كيف يفكر فنعرف كيف نجد الحل لمشاكلنا. 

تذكرت هذه الحوادث عندما قرأت مقالاً عن كولومبيا، ظهر في جريدة واشنطن بوست بتاريخ 12 مارس سنة 2014: What Washington Can Learn from Colombia’s Genius Plan to Lift Millions from Poverty, by Brian Fung,

في هذا المقال يقدم الكاتب المشروع الكبير الذي تبنته كولومبيا والذي يهدف في سنة 2018 إلى إدخال الإنترنت إلى 97% من السكان، وكولومبيا ليس بلدًا صغيرًا فسكانه يقتربون من الخمسين مليون، وقد نجح بالفعل في الثلاث السنوات الماضية في إخراج إثنين ونصف مليون من السكان من حيز الفقر عن طريق تطبيقات للتكنولوجيا أُلفت خصيصًا للفقراء فيه. 

وفي الغرب وبالأخص في الولايات المتحدة نتج عن تطبيقات الإنترنت أن زادت الفروقات بين الفقراء والأغنياء، ذلك، لأن تطبيقات الإنترنت خصصت للأغنياء الذين يعرفون كيف يستفيدون منها، لذلك، اهتمت كولومبيا ألا تقع في نفس الفخ، فهدفت أن تعمل تطبيقات للإنترنت خصيصًا للفقراء تهدف لانتقاص الفروقات بين الأغنياء والفقراء، ولا تزيدها كما حدث في الولايات المتحدة، فعملت على ألا تكتفي بإدخال الانترنت إلى كل منزل عن طريق الألياف البصرية، بل عملت أيضًا أن يكون لكل فرد ملف إلكتروني خاص، أو مساحة مجانية للتخزين خاصة به في السحابة الالكترونية يستطيع عن طريقها أن يحصل على بريد إلكتروني خاص به، يتعامل عن طريقه مع الحكومة فتعرفه المواعيد التي تهمه مثل مواعيد الزراعة إذا كان مزارعًا، أو الضرائب، إلخ، ويحتفظ في هذه المساحة الخاصة بالوثائق المهمة مثل الشهادات الطبية، وشهادات الزواج والميلاد والتسجيلات القانونية. 

وعملت كولومبيا ايضًا مع شركات تطبيقات الإنترنت لكي توجد تطبيقات تفيد فقراء كولومبيا، فعلى سبيل المثال، في كولومبيا يبني الفقراء بيوتهم مستعملين الحجر الذي يتواجد حولهم، والاسمنت الذي يشترونه من محلات صغيرة في كل قرية، فعملت الحكومة مع أكبر شركة اسمنت لكي تخلق شبكة اتصال الكترونية مع كل هذه المحلات الصغيرة، فأصبحت هذه المحلات تعمل بطريقة فعالة، ولم تضطر أن تحتفظ بمخزون من الأسمنت أكثر مما تحتاج، فزادت مكاسبها واستطاعت أن تعطي 10% تخفيضًا على مبيعاتها. 

وعملت حكومة كولومبيا على تواجد ادوات التكنولوجيا مثل الكومبيوتر والتابلت والطابعات بأقل الأسعار الممكنة، فهي لا تأخذ جمارك أو ضرائب عليهم لتسهل تواجدهم واستعمالهم، وهي الآن بصدى إختيار أفضل نظام شراء بضائع ودفع ثمنها عن طريق الإنترنت، لكي تشجع التجارة الإلكترونية وتساعد صغار التجار والحرفيين أن يبيعوا بضائعهم في الخارج.

هنا نتوقف ونتسائل: ماصلة محو الأمية في مصر بمشروع التكنولجيا الكبير الذي تقوم به حكومة كولومبيا؟ الصلة أنه لكي يجد أي فرد فائدة من محو أميته يجب أن يطبق ما تعلمه، ويقرأ ويكتب، وإلا سينسى ما تعلم، وأفضل طريقة تطبيق ليست قراءة الجرائد، فالتلفزيون قد انتقص من أهميتها وبالأخص بالنسبة للفقراء الذين لا يستطيعون دفع ثمن الجرائد، لذا أفضل طريقة تطبيق لما تعلمه الفرد في برامج محو الأمية هي تطبيقات التكنولوجيا لأن فوائدها واضحة، وتظهر في الحال. 

أتصور أننا نستطيع أن نوجد شبكة إلكترونية للمحلات الصغيرة التي تتواجد في كل قرى مصر، وأن نوجد تطبيقات مختلفة ونشرات تبعث عن طريق الإنترنت إلى من تعلموا القراءة حديثًا فتساعد على رسخ القراءة في ذهنهم.

وهنا قالت شهرزاد: "تطبيقات الإنترنت تقدم أفضل طريقة للتمرين على القراءة والكتابة، ويجب أن نمزج محو الأمية مع التكنولوجيا"، وسكتت عن الكلام المباح. 


د. سهير الدفراوي المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون